لماذا لا يثور الشارع الكوردي!؟
سرهد أحمد

بالرّغم من الأزمات الاقتصادية، والبطالة المتفشية، والفساد المؤسسـي، والاحتكار السياسي المديد من قبل الأحزاب الحاكمة، فإن الشارع الكوردي لا يزال – إلى حدٍّ كبير – ساكناً، صامتاً، لا يثور. والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لا يثور الشارع الكوردي ضد السلطة؟
إن الشعب الكوردي يحمل على أكتافه إرثاً نضالياً ثقيلاً، محفوراً بالدم والتضحيات، هذا الإرث الذي كان يوماً مصدر عزٍّ وفخار، تحوّل – في بعض الأوجه – إلى عبء نفسـي، يُستخدم أحياناً لتبرير الصّمت، أو شـرعنة سلطة الأمر الواقع.. فالأحزاب الكوردية الحاكمة ما زالت تقدّم نفسها كامتداد لتلك المقاومة التاريخية، وتلبس وجودها السياسي عباءة (تحقيق الحلم القومي)، حتى لو كان الواقع مغايراً تماماً.
ومن غير الممكن فهم السكون الشعبي دون النظر في البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع الكوردي، حيث تنغرس الأحزاب في النسيج الاجتماعي عبر منظومات الولاء العائلي والعشائري والوظيفي. ففي كثير من الحالات، لا يكون الانتماء الحزبي خياراً سياسياً، بل هُوية موروثة، تُمنح وتُورث كاسم العائلة، وهذا الولاء العاطفي يخلق نوعاً من (الطاعة العمياء)، التي تصعب معها الدعوة للثورة، أو حتى النقد الجذري.
كما أن الذاكرة الجمعية الكوردية لا تزال مثقلة بذكريات الاقتتال الداخلي في التسعينيات بين الحزبين الكورديين الرئيسين؛ الذي ترك ندوباً عميقة، وأنتج وعياً جمعياً مفاده أن أيّ زعزعة في النظام القائم قد يفتح بوابة الفوضى والاقتتال الداخلي من جديد.. ولهذا، يفضّل كثيرون القبول بواقع مأزوم على المخاطرة بمجهول قد يكون أكثر سوداوية.
كما يلعب الاقتصاد دوراً محورياً في ترسيخ السكون الشعبي، حيث يعتمد جزء كبير من مواطني الإقليم على التوظيف في القطاع العام، الذي تسيطر عليه الأحزاب؛ وعليه فإن أيّ انتقاد أو نشاط معارض قد يُترجم إلى فقدان مصدر الرزق، وهو تهديد حقيقي، في ظل غياب البدائل الاقتصادية.. وهكذا يتحوّل الخبز إلى أداة للهيمنة، وتصبح الوظيفة العامة قيداً سياسياً.
ولا ننسـى تحكّم إعلام السلطة في تشكيل السـرديات؛ الذي يمنع تشكّل وعي نقدي جمعيّ، ويخلق تشويشاً فكرياً يُسهم في إخماد جذوة الغضب الشعبي.
وأخيراً، فإن السؤال الحقيقي ليس فقط: لماذا لا يثور الشارع الكوردي؟ بل: إلى متى سيبقى صامتاً؟! فالتاريخ يعلّمنا أن السكون ليس دائماً دليل قبول، بل قد يكون إرهاصاً لما هو قادم.. ومع تسارع الانكشاف السياسي، وتراكم الأزمات، وازدياد الوعي الرقمي، قد يشهد الإقليم تحوّلات جذرية، لكن هذا مشـروط بظهور بديل قوي؛ قادر على اختراق جدران الخوف والانقسام، والإرث الثقيل.
العدد ١٩٣ ǀ خريف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثالثة والعشرون