غزّة.. وماذا بعد؟!

بقلم: رئيس التحرير

ما يجري اليوم في غزّة ليس مشهداً عابراً، بل فاجعة غير مسبوقة في سجل الإنسانية. لقد شهد التاريخ البشري العديد من المجازر والحروب المروّعة، ولكن لم يسبق أن ارتُكبت جريمة إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم بأسره..

لقد عانت البشرية كثيراً، وكافحت طويلاً، حتّى بلغت المستوى الحضاري الذي نعيشه اليوم، حيث وُقِّعت المواثيق الدولية، وأُقرّت معاهدات حقوق الإنسان، وتعاهدت الدول على احترام سيادة بعضها بعضاً، واتُفق على حماية الأسرى والمدنيين إبّان الحروب، وغيرها الكثير من القيم الإنسانية الرّاقية التي ترجمت إلى قوانين ومعاهدات وأعراف دولية ملزمة.. تلك القيم كانت ثمرة تضحيات جسام، وكان يُفترض أن تشكِّل ضمانةً تَحُول دون تكرار المآسي والحروب الوحشية.

غير أن الحرب التي تشنُّها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة وسائر الأرض الفلسطينية؛ كشفت هشاشة البنيان الحضاري المعاصر، وأسقطت الأقنعة عن زيف الادعاءات الغربية، وعرّت النفاق الذي تتسم به السياسة الدولية، وسياسة المكاييل المزدوجة التي تتبعها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إذ تُضحّي بكل القيم والمواثيق في سبيل مصالحها الاستراتيجية.

ولعل ما نشهده اليوم يذكِّرنا بتساؤل أبي الحسن الندوي المشهور، الذي جعله عنواناً لكتابه: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”؛ فقد بدا جليّاً أن غياب الأمة الإسلامية عن دورها الريادي ترك العالم غارقاً في فوضى الغاب، حيث تغيب العدالة، وتُهان الكرامة الإنسانية.. وها نحن اليوم ندرك مدى فداحة الخسارة التي لحقت بالبشرية جرّاء تخلّف المسلمين، وانحطاطهم، وانحسار تأثيرهم في العالم..

إن مأساة غزّة ليست مأساة شعب أعزل يتعرّض للذبح على يد جيش لا يرحم، بل هي مأساة الإنسانية أجمع، وهي – في الوقت نفسه – انتكاسة حضارية، وسقوط مريع لكل القيم البشرية النبيلة.. ومن هنا، فإن من حقّنا أن نتساءل: متى يستعيد المسلمون دورهم الرِّسالي في قيادة العالم نحو قيم الحقِّ والرّحمة والعدالة؛ للحؤول دون السقوط في الهاوية، وإنقاذ البشريّة من مآزقها وأزماتها المتفاقمة؟!

العدد ١٩٣ ǀ خريف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثالثة والعشرون 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى