القلب مركز الإدراك لدى الإنسان… حقيقة قرآنية يثبتها العلم الحديث
محمد صادق أمين

لا يزال علماء الطب في العصـر الحديث يعتقدون؛ أن القلب في جسم الإنسان عضو وظيفي كسائر الأعضاء. وقد طرح الدكتور (بول بيرسال / Paul Pearsall) اختصاصي علم النفس العصبي الأمريكي، مطلع القرن الحادي والعشـرين، فكرة ثورية، في كتابه المعنون (شفرة القلب) (The Heart’s Code)، أثبت فيها أن القلب ليس مجرد مضخة دم، بل يحتوي على (ذاكرة)، و(ذكاء) خاص به، يتجاوز في إمكاناته الدماغ أحيانًا.
يعتمد الكاتب على علم يُعرف بما يسمّى (علم الأعصاب القلبي) (Neurocardiology)، وعلى حالات حقيقية من متلقّي زراعة القلب، إلى جانب نظريات حول (الطاقة الحيوية) و(الذاكرة الخلوية) (Cellular Memory)..
ملخّص الكتاب:
يشير الكاتب إلى أن القلب يملك نظاماً عصبيّاً خاصّاً يسمّى (العقل القلبي)(HeartBrain) ، مكوَّن من أكثر من 40,000 خليّة عصبية، له قدرات عظيمة، أهمها: تخزين الذكريات، والمشاعر، وحتّى الهوية الشخصية.
وقد لاحظ الأطباء في بعض حالات زراعة القلب، أن المتلقّين بدأوا يُظهرون:
• ميولاً جديدة.
• ذكريات لم يعيشوها.
• تفضيلات أطعمة، أو موسيقى، مختلفة.
وقد تطابقت هذه المشاعر الجديدة أحيانًا مع شخصية المتبرّع بالقلب.
يستعرض المؤلّف في الفصل الأول، وتحت عنوان: (الشفرة الخفيّة للقلب)، كيف يُعبّر القلب عن مشاعرنا بطرق غير لفظية، مشيرًا إلى أننا نضع أيدينا على صدورنا عند الفرح أو الحزن، وليس على رؤوسنا، ممّا يدلّ على أن القلب هو مركز المشاعر والاتّصال العاطفي.
وفي الفصل الثاني، وتحت عنوان: (الطاقة القلبية والشفاء)، يُقدّم مفهوم (الطاقة القلبية)، أو (الشفرة القلبية)، وهي طاقة معلوماتية تنبع من القلب، وتؤثر على صحتنا النفسية والجسدية.
وفي الفصل الثالث، وتحت عنوان: (الذاكرة الخلوية)، يناقش فكرة أن خلايا القلب قد تحتفظ بذكريات ومشاعر، مستندًا إلى حالات لمرضى زراعة القلب الذين اكتسبوا صفات أو ذكريات من المتبرعين.
وفي الفصل الرابع، وتحت عنوان: (القلب كمنظّم أساسي)، يُبرز دور القلب كمنظّم رئيسي للجسم، حيث يُنسّق بين الخلايا، ويُحافظ على توازنها، ممّا يجعله مركزًا للوعي والهوية.
وفي الفصل الخامس، وتحت عنوان: (الاتّصال بين القلوب)، يُشير إلى أن القلوب تتواصل مع بعضها البعض من خلال تبادل الطاقة، ممّا يُعزّز من فهمنا للعلاقات الإنسانية والتعاطف.
القرآن والقلب:
سبق الإسلام العلم الحديث في اعتبار القلب مركزًا للفهم والإيمان والنور. ومن خلال هذا الكتاب بدأ العلم الحديث يقترب من هذا المفهوم، من خلال علم الأعصاب القلبية، وتجارب زراعة القلب، ومن خلال ما يُعبَّر عنه اليوم بـ(الطاقة القلبية)، و(الذاكرة الخلوية)، والتي قد تكون ما عبّر عنه الوحي بالقلب الحيّ أو الميّت، والقلب الخاشع، أو المختوم.
وما يُقدمه الدكتور (بول بيرسال) بشكل علمي، يتوافق مع ما أكّده القرآن الكريم، حين أشار إلى أن القلب هو سـرّ الإنسان، ومصدر وعيه، ونوره، وهدايته؛ ففي أكثر من موضع تحدّثت الآيات الكريمة عن أن القلب ليس مجرد عضو وظيفي في الجسم، بل هو على وجه التحقيق يملك قدرات إدراكية وعقلية وروحية.
ومن أمثلة ذلك:
– القلب يُبصـر ويفهم. قال سبحانه وتعالى: [فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور]، (سورة الحج/ 46).
– القلب مركز التفكّر والتعقّل. قال تعالى، في ذات الموضع: [.. أفلم يسيروا في الأرض، فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها].
– الختم على القلوب يمنع الفهم. قال تعالى: [ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة]، (سورة البقرة/ 7).
– الحياة والموت المعنوي بالقلب. قال تعالى: [ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور]، (سورة النور/ 40).
– القلوب هي التي تفقه. قال الله تعالى: [ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها]، (سورة الأعراف/ 179).
– القلب مصدر النية والإرادة. قال تعالى: [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ]، (سورة الشعراء/ 89).
– القلب محرّك مشاعر الإنسان. قال الله تعالى: [وَمِنهُم مَّن يَستَمِعُ إِلَيكَ وَجَعَلنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِم وَقرٗا وَإِن يَرَواْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ]، (سورة الأنعام: 25).
القلب في السنّة:
ورد في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فضلًا عما ورد في القرآن الكريم، أمثلة مشابهة، ومنها – على سبيل المثال، لا الحصـر-:
-القلب موضع الإيمان. بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الإيمان الحقيقي ينعكس من خلال القلب، وأنه لا يكتمل إيمان الإنسان إلا إذا كان قلبه سليمًا من الشوائب، وذلك في قوله: (إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (رواه البخاري ومسلم).
– تقلّب أحوال الناس مصدره القلب. يُبيّن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن القلوب بيد الله تعالى، وأنه يُقلِّبها كيفما شاء، ممّا يعني أن الهداية والضلال بيد الله وحده.. وذلك في قوله: (يُقَلِّبُ اللَّـهُ قُلُوبَ عِبَادِهِ كَمَا يَشَاءُ) (رواه مسلم).
– القلب مركز الثبات على الأفكار. يُشير النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أن القلوب قد تتجه للهداية أو للضلال، ويُبيّن في الحديث الصحيح؛ أن القلوب لا تظل ثابتة على حالها، بل تتقلّب وتتعرّض للتغيير المستمر، قال – صلى الله عليه وسلم -: (اللهم مُقَلِّبَ القلوب، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَىٰ دِينِكَ). (رواه مسلم)
وهذا الحديث يعكس أهمية الاستمرار في الدعاء والتوجّه إلى الله، لثبات القلب على الإيمان والهداية.
ختاماً:
لقد سبق الإسلام العلم الحديث في اعتبار القلب مركزًا للفهم والإيمان والنور، وبدأ العلم يقترب من هذه الحقيقة من خلال؛ علم الأعصاب القلبية، وتجارب زراعة القلوب، ومن خلال ما يُعبَّر عنه اليوم بـ(الطاقة القلبية)، و(الذاكرة الخلوية)، وقد تكون هذه العلوم تعبيراً عمّا عبّر عنه الوحي بـ(القلب الحي)، و(القلب الميّت)، و(القلب الخاشع) و(القلب الواعي المدرك) … إلخ.
هذا التوافق في العلم التجريبي، الذي أشـرت إليه، يُجلّي لنا من جديد مدى التوافق المدهش بين آيات القرآن الثابتة، وما يكشف العلم يومًا بعد يوم. وهو ما يدعو إلى التأمّل، ويزيد المؤمن طمأنينة وإيمانًا، ويدفع المنصف من غير المسلمين إلى إعادة النظر في مصدر هذا الكتاب العظيم.
ومع ذلك، فإن من الضـروري أن نُدرك أن اعتمادنا على الاكتشافات العلمية في تفسير القرآن، أو إثبات صدقه، لـه حدوده، لأن العلم بطبيعته متغيّر، يتطوّر ويتبدّل مع الزمن، بينما القرآن ثابت ومحفوظ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فليس القرآن كتاب علوم طبيعية، وإنما هو كتاب هداية وتشـريع وقيم، أنزله الله لهداية البشرية في كل زمان ومكان، والإشارات العلمية تأتي على وجه الإعجاز والإشارة، لا على وجه التفصيل العلمي.
إن إعجاز كتاب الله لا يُختزل في مطابقته للعلوم الحديثة، بل يمتد إلى بلاغته، وتشـريعاته، وإخباره بالغيب، وتناسق معانيه، وأثره في النفوس والمجتمعات، وصموده في وجه التحديات عبر القرون.. وما يقدّمه العلم بين الحين والآخر من توافق مع بعض آيات القرآن، هو بمثابة (شواهد تأييد)، تضـيء للعقل، وتؤكّد للباحث أن هذا الكلام لا يمكن أن يصدر إلا عن خالق هذا الكون.
فنحن لا نجعل إيماننا بالقرآن مرهونًا بإثباتات العلم، بل نؤمن به ابتداءً على أنه كلام الله، ثم نرى في كل اكتشاف علمي جديد ما يزيدنا يقينًا بأن هذا الكتاب نور لا ينطفئ، وهداية لا تنقضي، ومعجزة باقية تتجدد مع تجدد العصور.
كتاب (شفرة القلب) (The Heart’s Code)
العنوان الكامل:
The Heart’s Code: Tapping the Wisdom and Power of Our Heart Energy
المؤلف: الدكتور Paul Pearsall
تاريخ النشر: 1998
يمكن الاطلاع على الكتاب من خلال الرابط أدناه:
https://archive.org/details/heartscodetappin00pear?utm_source
العدد ١٩٢ ǀ صيف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثانية والعشرون