نحو وعي إسلامي كوردي أصيل ومنفتح
أبو بكر كارواني - نقله من الكوردية: سرهد أحمد

في البرامج السياسية للأحزاب الإسلامية، يتم التعامل مع القضايا القومية بمستويات متفاوتة. فدعم مكاسب الشعب الكوردي يُطرح كهدف واضح، إذ تناقش بعض التيارات الإسلامية في أدبياتها حق تقرير المصير للكورد في إطار دولة مستقلة. وهذا يعني أن الفكر القومي الإسلامي لا يعارض القومية الحديثة، التي تقوم على أسس الأرض واللغة والثقافة والهوية والمصير المشترك، وليس فقط على العقيدة والدين، رغم أن الدين قد يكون عاملاً مؤثراً في تشكيل الوعي القومي لدى غالبية المسلمين.
ومع ذلك، فإن الخطاب القومي الإسلامي، رغم استناده إلى تراث فكري إسلامي، لا يختلف كثيراً عن القومية العلمانية فيما يتعلق بالمطالبة بالاستقلال الوطني، والدفاع عن الحقوق، والحفاظ على الكرامة القومية. وإذا كان هناك فرق بينهما، فقد يكمن في بعدين: الأول، أن الإسلام يمكن أن يكون عاملاً في تعزيز القومية الكوردستانية. والثاني، أن القومية ليست فقط رؤية فكرية وأيديولوجية، بل هي أيضاً عنصـر أساسي في التصورات السياسية للحركات الإسلامية.
هذا الفهم لا ينبغي أن يؤدّي إلى صراع بين القومية الإسلامية والقومية الحديثة، بل إلى تكامل بينهما، وفقاً للمرحلة التي تمرّ بها الحركة القومية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها. فالسؤال هنا ليس مجرد موقف نظري حول الحركة القومية الكوردية وحقوق الكورد في تقرير مصيرهم، بل يتعلق بمسألة عملية طويلة الأمد ترتبط بالسياقات التاريخية والتحديات الراهنة.
من الضـروري أن يكون الحوار في هذا الشأن فكرياً وليس عقائدياً، بحيث لا يتحول إلى فرض أيديولوجيا محددة أو استخدام الدين كأداة سياسية. إذ يمكن تأسيس نهج متوازن من خلال إطار دستوري مدني يعالج الإشكاليات السياسية في تحديد هوية الكورد وأسس النظام السياسي.
علاوة على ذلك، لا يمكن حصـر دعم الحقوق القومية الكوردية في خطاب فارغ من المضمون، بل ينبغي أن يكون دعماً حقيقياً، بحيث لا يرتبط بكون القوى المدافعة عن هذه الحقوق علمانية أو إسلامية. فمن المؤسف أن بعض التيارات الإسلامية في كوردستان تتردد في دعم الثورات والحركات القومية في غرب كوردستان، لمجرد أنها لا تتوافق أيديولوجياً معها. وهذا يعكس خللاً في الفهم الديني والسياسي، حيث إن غياب قوى إسلامية كوردية قوّية لملء هذا الفراغ؛ يؤدّي إلى تراجع الاهتمام بالقضية القومية الكوردية في هذه المنطقة، سواء من القوى الإسلامية أم العلمانية، رغم أن القومية ليست حكراً على أيديولوجيا بعينها.
وبهذا المعنى، فإن دعم الحقوق الكوردية لا ينبغي أن يكون مشـروطًا بالاتّفاق الأيديولوجي، بل يجب أن يستند إلى قيم العدل والإنصاف، وهو ما يتوافق مع مبادئ الإسلام. فقد أقرّ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مبادئ العدل حتّى في إطار المواثيق الجاهلية، مثل (حلف الفضول)، الذي كان يهدف إلى نصرة المظلومين بغضّ النظر عن دينهم وانتمائهم.
إذاً، السؤال الجوهري اليوم؛ هو: هل المطالبة بحقوق الكورد كأمّة؛ بما في ذلك منع الظلم، وضمان الحقوق، والمساواة مع الشعوب الأخرى، هو مطلب مشـروع إسلامياً؟ الجواب ليس فقط نعم، بل إنه في جوهره مطلب إسلامي أصيل، لأنه يرتبط بمقاومة الظلم، والسعي لتحقيق العدل. ومن ثَمَّ، فإن هذه المطالب ليست مجرّد أهداف أيديولوجية، بل هي جزء من التزام سياسي وأخلاقي مشترك بين مختلف القوى الكوردية، سواء أكانت إسلامية أم علمانية.
لذلك، ينبغي لهذه القوى أن تتعاون فيما بينها لتحقيق هذه الأهداف المشتركة، مع الحفاظ على التنوّع الفكري داخل الحركة القومية الكوردية.
العدد ١٩٠ ǀ ربيع ٢٠٢٥ ǀ السنة الثانية والعشرون