انقلب إلى ضده!
أ. د. يحيى عمر ريشاوي
كثيرة هي الأمثال والحكم المعبّرة عن الواقع الاجتماعي الذي نعيش، ومعظم هذه الأمثال والحكم انبثقت ربما من واقع حدث اجتماعي معيّن، أو من وحي مقالٍ أو خطاب شخص ما، في مكان ما، أو ربما من خلال القصص والحكايات الاجتماعية المتداولة بين الناس، أو… أو…
معظم هذه الأمثال والحكم تهدف – من بين ما تهدف – إلى توجيه الواقع الاجتماعي، وتحسين العلاقات بين أفراد المجتمع، وكذلك أخذ العبرة، وعدم تكرار أخطاء من سبق، وغيرها من الدروس. وهي عبارة عن كلمات بسيطة ومختصـرة، ولكن بمضامين قوية ومعبّرة، وأحياناً تتجاوز هذه الأمثال الواقع الاجتماعي لتلامس الواقع الديني والسياسي والإداري وغيرها من المجالات.
ومن بين هذه الأمثال والحكم، الحكمة الاجتماعية المتداولة والمشهورة: (ما زاد عن حده، انقلب إلى ضده).
– فعلاقاتنا الاجتماعية نعمة وهبة إلهية، يحثّنا الدين على المحافظة عليها، وعدم التقليل من شأنها، ولكن حين نبالغ في هذه السمة الاجتماعية المهمة عن حدّها المعقول، فإن هذه النعمة ذاتها ربما تنقلب إلى نقمة ومصدر لإزعاج الآخرين. (انقلب إلى ضده!)
– التعبير عن مشاعرنا، والاهتمام بمن حولنا، خصلة حميدة علينا التزيّن بها، حيث إن من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.. ولكن حين يتحوّل هذا الاهتمام إلى تدخّلٍ في كل صغيرة وكبيرة، وإلى عدم مراعاة الوقت والمكان، فإن صاحبه سيصبح مصدراً للتنفّر الاجتماعي. (انقلب إلى ضده!)
– النظافة والاهتمام بمنظرنا وملبسنا أتكيت اجتماعي رائع ومهم، إن لم نقل إنه واجب ديني، ولكن حين نبالغ حتى في هذه الخصلة الإنسانية والاجتماعية والصحية، فإنها ستتحوّل من نظافة وصحة إلى قلق ووسوسة، يحتاج صاحبها إلى علاج نفسـي واجتماعي وديني. (انقلب إلى ضده!)
– الاهتمام بالتواجد في مواقع التواصل الاجتماعي، والاستفادة من نعمة جهاز الهاتف المحمول، وسيلة عصـرية فرضت نفسها على مجالات حياتنا كافة، ولكن إذا أبعدك هذا الاهتمام عن العبادة والرياضة، وعن أصدقائك وذويك، فإنه بالتأكيد سيتحوّل إلى إدمان إلكتروني يحتاج إلى تنظيم وتوعية وترشيد. (انقلب إلى ضده!)
– وحتى العبادات والشعائر الدينية الواجبة على كل مسلم، ستتحول إلى شيء آخر، إن بالغنا فيها، فالحج – مثلاً – فريضة دينية، وأمنية كل مسلم، ولكن حين نلجأ إلى وسائل غير شرعية وغير قانونية لأداء هذه الفريضة، فإن على العلماء والدعاة أن يفتوا بأن هذه العبادة قد دخلت تحت يافطة: (انقلب إلى ضده!).