وما نقموا منهم…!

محمد واني

عندما رفض إبليس السجود لآدم لعنه الله وطرده من السماء، فأقسم بعزته أن ينتقم لنفسه من آدم ونسله إلى يوم القيامة، لأنه هو السبب في شقائه وإبعاده عن رحمة الله، حسب اعتقاده الخاطئ وعقله القاصر، في محاولة لإبعاد التهمة عن نفسه، وإلقائها على آدم الذي لا علاقة فيما جرى بينه وبين الرب لا من قريب ولا من بعيد، وهو أول استعمال للسلوك (التبريري) الذي ابتكره الشيطان، ومارسه الإنسان في حياته اليومية فيما بعد على نطاق واسع .. وسيكون جنس الإنسان الشغل الشاغل للشيطان، وهدفه الأساسي، لإغوائه، وتحييده عن الصراط المستقيم  بكل الطرق.. ولكن رب العزة استثنى بعض الناس الأقوياء الصالحين (النخبة)، ممن لديهم مناعة ذاتية وإيمانية في مقاومة مخططات الشيطان، والوقوف بوجهه [إن عبادي ليس لك عليهم سلطان]، ولكن أكثرية الناس الذين ليس لديهم جهاز ردع قوي لتلافي إشارات الشيطان ووساوسه، يستجيبون لأوامره، وينفذونها بالحرف [ولقد صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ]، والصورة واضحة اليوم في عالمنا المعاصر، لا تحتاج إلى تفسير!

وقد سقنا هذه النبذة لنعلم أن الإنسان مهما فعل واكتسب القوة وارتقى وتطور وازدهرت حضارته، فإنه ما لم تكن لديه صلة بالله، فلن يتمكن من مواجهة إبليس، وسيتحول إلى وحش كاسر، أشرس من الحيوان المفترس، يأكل بعضه بعضاً، ويقتل ويبيد مجتمعات وشعوب بكاملها بحجج واهية، والأمثلة كثيرة قديماً وحديثاً؛ إبادة الهنود الحمر على يد الأمريكيين(1890)، وإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي (1945)، والإبادة النازية لليهود (الهولوكوست)(1933)، ومجازر الأنفال وحلبجة بحق الكورد (1988)، مجزرة سربرنيتسا(1995)، والأقلية الروهينغية في بورما(2017)، وما يجري حالياً في (غزة) بفلسطين، وغيرها من المذابح البشرية التي ذهب فيها الملايين من الضحايا على أساس العرق والجنس والدين ..

وقد أشار القرآن في كثير من المواضع إلى هذه المسألة الإنسانية، وأولاها أهمية كبيرة، وأظهر وحشية الإنسان عندما يفقد الإيمان ويوالي الشيطان، يكفي أن الله أرسل موسى إلى فرعون لإنقاذ الشعب اليهودي من براثن العبودية والقتل المنظم: [قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ]، [قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا واستحيوا نسائهم]، وقد خصص الله سورة كاملة لقصة مجموعة بشرية غير معروفة الهوية، ومجهولة المكان والزمان، تعرضت لأبشع أنواع الجينوسايد (الموت حرقاً) داخل (أخدود)، وتهمتها الوحيدة أنها اختلفت في العقيدة مع الشياطين المجرمين وآمنت بالله: [وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد]، وقد انتشل الله هذه المجموعة من النسيان، وخلد ذكرها في كتابه الكريم إلى يوم الدين.

العدد 188 ǀ صيف ٢٠٢٤ ǀ السنة الحادية والعشرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى