يسوع (المسيح) في التلمود
د. سعد سعيد الديوەجي
تمهيد
قبل أن نلج في الموضوع([1]) لا بد أن ننوه أن مكانة المسيح عيسـى (ع) في المسيحية والإسلام تختلف جذرياً عما هي عليه في المعتقد اليهودي. فكلمة (يسوع) هي كلمة محرفة لاسم يشوع، وهو اسم عبراني شائع يعني (المُخَلِّص)، وتم تحريف الشين إلى السين، فتُطلَق بالآرامية (يَشوع)، وبالأصل فالإسم مركب من كلمتين (يهوه – شوع)، ومن أشهر من حملوه (يوشع بن نون) فتى موسى، وأمّا عيسـى فهو الاسم المُعرّب.
وأما في الأدبيات اليهودية، فهذا المصطلح (يسوع) لا يطلق مطلقاً على السيد المسيح (ع)، ويُستعاض عنه بالاسم (يَشوْ)، وهي الأحرف الأولى من ثلاث كلمات باللغة العبرية، والتي تعني (ليُمح اسمهُ وذِكرهُ).
وهذه المسألة جاءت من الموقف العدائي والسلبي لليهود تجاه المسيح، الذي أراد أن يخلصهم من فسادهم بقوله “لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة”(متى، 15: 24).
فاليهود لا يطلقون على المسيحيين عموماً غير مصطلح (النصارى)، إذ لو أسموهم (مسيحيين)، لكان ذلك اعترافاً ضمنياً منهم بأن يسوع هو المسيح المنتظر، الذي ينتظره اليهود بلهفة بالغة، ومن ثم فأتباعه يهود – مسيحيون، وهذا الأمر الذي ترفضه كل المصادر اليهودية – الحاخامية بعناد لا يبارى، قد حدا بها لإلصاق شتى التهم الأخلاقية به وبوالدته، كما سنرى لاحقاً.
إن الصفات التي حملها المسيح (ع) لا تنطبق على الصورة التي رسمتها التوراة للمخلص من نسل داؤد، في مواضع عديدة، والذي سيعيد أمجاد إسرائيل، كما يتخيلون، بعد معاناة شديدة من السبي والشتات، ومنها:
يخرج فرع من جذع يسي – والد داؤد –
وينمو غصن من أصوله
روح الرب ينزل عليه
ويميت الأشرار بنفخة من شفتيه
فيسكن الذئب مع الخروف
وتصاحب البقرة الدب
ويبيت أولادها معاً
ويأكل الأسد التبن كالثور (1/7/11 أشعيا)
وهي صورة سياسية أكثر منها دينية.
وبما أن (التوراة) المتداولة، والأسفار الملحقة بها، تغطي فترة تاريخية تمتد من بدء الخليقة إلى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، فإن المسيح – عيسـى لا وجود له في (التوراة)، وقد تولى الحاخامات – وهم كبار رجال الدين اليهود – التصدي لسيرة المسيح – عيسى أو يسوع، في التلمود. فما هو التلمود؟
إنه المنتج الأدبي الأكثر تأثيراً للحاخامية اليهودية، والذي كتب على مدى قرون عديدة في (بابل) و(فلسطين)، كُلاً على حدة، فالتلمود الفلسطيني أو الأورشليمي، تم تحريره (أي جمعه وتصنيفه) في القرن الخامس بعد الميلاد. أما البابلي؛ فقد أخذ شكله النهائي في بداية القرن السابع الميلادي في بابل، بعد أن كان يتم تناوله شفاهاً.
ويفرق اليهود بين التوراة والتلمود، على أساس أن (التوراة) تعتبر الشـريعة المكتوبة، وما يرافق ذلك من تاريخ بني إسرائيل. أما (التلمود)، فيعتبر الشـريعة الشفوية التي قال بها الحاخامات على مدى قرون عديدة، ثم جُمعت لاحقاً. ويعتبر التلمود العامل والمؤثر الرئيسـي في الإيمان والمعتقد اليهودي، وهو أعظم شأناً من التوراة عند معظم اليهود.
وعليه، فالتلمود هو الثمرة الأساسية لاجتهاد الحاخامات على مدى قرون، وهو ثمرة الشـريعة الشفوية من جيل إلى جيل، وعليه يُعتمد في تفسير الشـريعة المكتوبة (التوراة)، وهو العامل والمؤثر الرئيسـي في الإيمان والمعتقد اليهودي، بالرغم أنه ليس شريعة قانونية رسمية.
ويتكون التلمود من جزأين رئيسيين هما (المشناة)، وهي الاجتهادات الشفوية للحاخامات، و(الجمارة) وهي نقاش الحاخامات حول المشناة، وهذه الشـروح امتدت من القرن الثاني بعد الميلاد إلى أواخر القرن السابع بعد الميلاد.
والتلمود كتاب كبير يضم أكثر من (40) مجلداً، ويلحق بالتلمود ما كتبه الأمورائيم (الشراح)، وهم علماء الجمارة، وهو القسم الذي فسّرت فيه المشناة، والفريسيون هم أكثر الطوائف تشدداً في المعتقد اليهودي، ويلتزمون بتعاليم التلمود حرفياً، ويعتبرونه أكثر قدسية من التوراة، ويقولون إن من درس (التوراة) فعل فضيلة لا يستحق الثناء عليها، ومن درس (المشناة) فعل فضيلة يستحق المكافأة عليها، ومن درس (الجمارة) فعل أعظم فضيلة.
وبعد أن أعطينا فكرة بسيطة عن التلمود، سنرى ما يقوله عن السيد المسيح، المعروف باسم (يسوع) لدى أتباعه، كما ذكرنا. وبما أن اليهودية لا تعترف بمسيحانية المسيح (ع)، لأنهم كانوا ينتظرون مسيحاً يُعيد أمجادهم المدعاة، كما نوهنا لذلك آنفاً، فهم لا يتداولون ولا يطلقون مصطلح (المسيحية) على أتباع المسيح، وإذا ما تداولوه، فإن ذلك يعتبر اعترافاً بمسيحانية (يسوع)، ويستخدمون مصطلح (النصارى)، وهم باختصار أولئك اليهود الذين آمنوا بأن يسوع هو مسيح اليهود المنتظر، وهم الذين حافظوا على وصايا العهد القديم بعد أن أسقطوا الشريعة، إضافة لتبنّيهم لنص إنجيلي معين، لا نمتلك إلى اليوم الملامح الحقيقية له، أي أنهم فئة ضالة من الدين اليهودي.
وإجمالاً، فموقف التلمود البابلي أكثر تطرفاً وعدوانية تجاه السيد المسيح (يسوع) من التلمود الفلسطيني، بسبب أن اليهود في بابل كانوا تحت حكم الدولة الساسانية الفارسية عدوة الدولة الرومانية، بينما كان يهود فلسطين تحت الحكم الروماني، الذي دان بالمسيحية لاحقاً. وعموماً فالمسيحية التي ولدت من رحم اليهودية، تشكل نسفاً للمعتقد اليهودي من موقفه تجاه انتظار مسيح قوي من نسل داؤد، ولهذا عملوا بكل قواهم من أجل طمس هوية المسيح (يسوع).
ولهذا، فإن معظم الأخبار عن يسوع والمسيحية قد جاءت في التلمود البابلي، الذي حصـر معظم الحكايات بالتهم الجنسية والأخلاقية؛ فوالدة يسوع تحظى بسمعة سيئة لا علاقة لها بما جاء في الأناجيل، فهي إمرأة تركت شعرها ينمو بشكل مفرط، مثل الجنية (ليليت)([2])، سيئة السمعة التي تغوي الرجال، وتعرض حياة الحوامل للخطر، وتجلس حين تبول مثل حيوان، وتعمل كمخدة لزوجها… ويستطرد التلمود البابلي بأن أمّ عيسـى كانت زانية، فالنتيجة المنطقية أنه ابن زنا من عشيق أمّه المسمى (بانديرا)، وهو جندي روماني، وأن يسوع هو الذي لفق قصة ولادته من عذراء.
ويضيف المؤلف (بيتر شيفرا)، قصة أخرى من أحد المصادر التلمودية، بأن يسوع جاء من قرية يهودية، وأمّه امرأة ريفية فقيرة، تكسب عيشها من الحياكة، وطردها زوجها النجار لأنه اتهمها بالزنا. وبينما كانت تتجول بطريقة مشينة، وضعت (يسوع) سراً، والذي اشتغل كعامل في مصـر، وهنالك اكتسب قوى سحرية، وبسببها منح نفسه لقب (الله)!.
والحقيقة أن التلمودين لا يتفقان على اسم والد يسوع (باتيرا، او بانديرا)، ولكنهما يتفقان على أنه (ابن حرام)، لأب غير يهودي!.
وبهذه الطروحات فالتلمود ينسف روايات الأناجيل، وأن يسوع ليس من نسل داؤد، وهو ليس ابن الله.
ويذهب أحد الحاخامات بالتهكم على ولادة يسوع من عذراء، بقوله، كما أن البغلة لا تلد، فإن ولادة يسوع من عذراء ما هي إلا خرافة، وأن أتباع يسوع الذين يزعمون أنهم الملح الجديد للأرض، ليسوا إلا مشيمة لنسل البغلة المتخيل، أي خرافة الخرافة، وهذه القصص تسخر من إحدى أحجار الزاوية في اللاهوت المسيحي.
ويذهب أحد حاخامات الأمورائيم وشُراح الجمارة، بأن الشخص المعني (يسوع)، كان له – إذا جاز القول – (أبوان)، لأن أمّه كان لها زوج وحبيب، وكان يُسمى (ابن ستادا)، وذلك بالإشارة إلى الزوج، و (ابن بانديرا)، وذلك بالإشارة إلى الحبيب أو العشيق.
بينما يقول آخر: إن زوج والدته ليس واحداً يحمل اسم (ستادا)، بل هو بابوس بن يهوذا، وإن اسم (ستادا) هو اسم أمّه، ولكن هذا لقب، والاسم الحقيقي لها (مريم)، وأن (ستادا) لقب مستمد من الجذر شطاه أو شطه، ولأنها كانت شوطاه (ساقطة)، أي امرأة مشتبه بها بأنها مارست الزنا، أو بالأحرى مدانة بممارسة الزنا.
ويضيف مصدر تلمودي آخر، بأن الرجل الذي يرى زوجته تخرج وشعرها مفكوك، وتغازل الشباب بالشارع، وإبطاها مكشوفان، وتستحم مع أناس آخرين، فإن هذا الرجل يجب أن يطلق زوجته، لأنها أي هذه المرأة عرضة لأي سلوك إباحي.
وتتفق كل الروايات التلمودية على أن يسوع طفل غير شرعي من أمّ زانية وعشيق (جندي روماني)، كما نوهنا آنفاً.
وتستند هذه الروايات إلى أن يسوع ليس من نسل داؤد (متى: 2: 4، لوقا: 2: 11)، لأن يوسف النجار خطيب أمّه الذي – كما يدّعي إنجيل متى – يعود أصله إلى داؤد، ثم إلى إبراهيم، ولم يكن إلا خطيباً لأمّه، وليس زوجها الفعلي، وأنها (أم يسوع) كانت تتوقع طفلاً قبل أن يتزوجا شرعاً. وهكذا ينسف التلمود قصة ولادة يسوع بالاستناد لتحريفات الأناجيل.
والحقيقة أن التهم الجنسية واللاأخلاقية تطارد يسوع في التلمود بطوله وعرضه، فمريم المجدلية التي تقول الأناجيل أن المسيح أخرج منها سبعة شياطين (لوقا: 8: 2)، بينما يرفعها إنجيل مرقس إلى مرتبة القداسة، والتي كانت من ضمن من ظهر لهم المسيح بعد قيامته، وكانت حاضرة عند صلبه (متى: 16: 9)، فإن التلمود يستغل بعض الروايات في أناجيل لا تعترف بها المسيحية، مثل إنجيل (فيليبوس)، ليقول إن مريم المجدلية كانت زوجة يسوع (الابن الشـرير)، وأن هذا الزواج بحد ذاته مشبوه (لأنها كانت عاهرة).
ومن التهم التي ألصقها التلمود بيسوع، هي تهمة ممارسة السحر، وعبادة الأصنام، ويروي قصة مفادها أن يسوع كان على اتصال بحاخام اسمه (يهوشوا براحيا)، وعندما رأى صدوداً من هذا الحاخام، ذهب يسوع وصنع طوباً وعبده، فقال له الحاخام: تُب، فأجابه: هذا ما تعلمته منك، ثم ينحي التلمود باللائمة على هذا الحاخام لاتصاله بيسوع، وأن العلاقة بينهما قائمة على ممارسة السحر، باعتباره القاسم المشترك بين الشخصيتين. وهكذا تنتهي القصة بضلال (يهوشوا بن براحيا)، الذي صار مسؤولاً عن المسيحية، وأن ليس يسوع وحده مستبعداً عن العالم القادم، بل إن كل أتباعه في الكنيسة المسيحية سيشاركونه هذا الحكم المدمر.
ويشير التلمود إلى النجاح الجزئي للمسيحية داخل اليهودية، في خلق الخلافات بين الحاخامات حول (الهالاخاه) (وهي الشـريعة اليهودية، وما يتعلق بها من القوانين والإرشادات)، والذي نسب إلى السحر الذي يمارسه يسوع. وعندما تعلق الأمر بالتوراة (الصوت السماوي)، فإن الحاخامات أعلنوا ببرود أنه من الأفضل لله أن لا يتدخل في هذه الأمور، لأنه أعطى التوراة لخلائقه – وسلطة اتخاذ القرار في حالة النزاع ترجع للحاخامات، وهذا يعني بوضوح أن أحكام الحاخامات فوق التوراة.
وهذه العقائد هي إشارة للعلاقة بين يسوع والقوى السحرية (المكتسبة في مصـر)، وبسببها عاد ممتلئاً بالغرور، وبسببها أيضاً أعطى لنفسه لقب (الله).
ويقول التلمود بإن ادعاء يسوع بالألوهية هي استعارة من البرديات اليونانية – الرومانية، والتي يضمن الساحر لنفسه قوة الإله هرمن بالقول: “لأنك أنا، وأنا أنت، اسمك لي، واسمي لك… أنا أنت، وأنت أنا”.
وخلاصة المسألة أن يسوع ابن بانديرا كان ساحراً قوياً، ويمتلك قوى سحرية تعمل بشكل مستقل عن الغرض الذي تطبق عليه، وما أن يتم النطق بها حتى تحقق التعويذة السحرية مفعولها.
ويسوع، وأتباعه، يزعمون أن لديهم مفاتيح السماء، إنهم يستخدمون قواهم السحرية بتفويض إلهي، لكنهم على خطأ مميت، وحقيقة أن السماء تقبل ما يقومون به، لا يعني أنها توافق عليه، على العكس من ذلك، فهم محتالون ونصابون يسيئون استخدام سلطتهم، وما تزال القوة والسلطة الفعليتين بيد خصومهم الحاخامات.
والآن لننتقل إلى مسألة إعدام (يسوع)، فإنه من المعلوم أن المسيح – حسب الأناجيل – قد تمت محاكمته أمام هيئة قضائية يهودية (السنهدريم)، وحكمت عليه بالصلب، ولكن التنفيذ كان بواسطة السلطات الرومانية التي كانت تحكم فلسطين آنذاك (يهوذا والسامرة)، وكان الحاكم (بيلاطس) البنطي (وهو الملك الآدومي المنتدب من قبل روما)، والقاضي يدعى (قيافا).
وكانت الاتهامات ضده كثيرة، أهمها ادعاءه أنه المسيح المنتظر، وهو ما لم يقبله اليهود مطلقاً، كما بيّنا آنفاً، واستناداً لذلك أصروا على إعدامه، رغم تردد الحاكم الروماني. وهنالك روايات إنجيلية تؤكد المسألة، عندما أصر اليهود على اعدامه.
فمن المعلوم أن عقوبة الإعدام في التوراة تتم بأربعة طرق هي الرجم والحرق والشنق والقتل بالسيف، ولكن الشـرع يسقط الشنق، ويضيف الخنق كعقوبة إعدام مستقلة، ولا وجود للصلب، ولكن المحكوم يُعلق على الصليب للتشهير به وهو ميت، خصوصاً بعد الرجم.
والتلمود يلمح بأن يسوع رُجم حتى الموت، ثم تم شنقه، عملاً بقول الحاخام اليعازر: “كُل الذين يُرجمون يُشنقون”، حيث يضعون عموداً على الأرض، وينتأ منه جذع، ويضع أحد الحاخامات يديه على (المشنوق) واحدة فوق الأخرى، وهكذا يشنقه أحدنا.
ويقول أحد الحاخامات، الذي يُسمى يوسي: يُسند العمود إلى جدار، ويشنقه أحدنا كما يفعل القصابون، علماً أن هذه العملية أي الرجم والشنق محددة بالجريمتين الكبيرتين، التجديف (الكُفر)، وعبادة الأوثان. والمشنوق ملعون ونجس من الله، ويتم دفنه في نفس الليلة، استناداً للجملة التوراتية: “إذا أدين شخص بارتكاب جريمة، وعوقب عليها بالموت، وتم تنفيذ الحكم (أي عن طريق الرجم)، وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة (التثنية: 21، 22-23)، ولأن المصلوب ملعون في التوراة، وكذلك في التلمود.
ويؤكد التلمود البابلي، بأن خلاصة المسألة هي إدانة مجدف وعابد أوثان، الذي يُضل كل إسرائيل، ونحن اليهود قدمناه للمحاكمة وأعدمناه، لأنه زعم أنه الله، فاستحق عقوبة الإعدام بحسب شرعنا اليهودي (الموسوي).
ويضيف التلمود البابلي بأنه تم شنق يسوع عشية عيد الفصح، أي قبل يوم واحد من عيد الفصح، وهذه الرواية تتناقض مع أناجيل متى ومرقس ولوقا، حيث يقولون إن يسوع تناول وجبة عيد الفصح (في العشاء الأخير) مع تلاميذه قبل أن يتم القبض عليه.
والرواية البابلية تؤكد أن الحاكم الروماني أراد إطلاق سراحه، لكننا لم نقبل (اليهود)، لأنه كان مجدفاً ومن عبدة الأوثان!.
وتعلن الرواية بأن اليهود أجبروا الحاكم الروماني (بيلاطس) على القبول، لأنه أي يسوع مُهرطق ومحتال، ويجب أن يُعدم، ونحن فخورون بذلك.
وتضيف الرواية البابلية بأنه كان ليسوع خمسة تلاميذ، هم (متاي، نقاي، نصـر، بوني، و توداه)، أعدموا مثل سيدهم، بتهمة التجديف، وعبادة الأوثان.
وفي حين تصف الرواية بأن يسوع هو أسوأ من أسوأ مجرم، لأن النبي أشعيا يقول في سفره: “لأنك خربت أرضك، وقتلت شعبك” (أشعيا، 14: 2)، وهو ما ينطبق على تلاميذه، لقول أشعيا: “هيئوا لبنيه قتلاً بإثم آباءهم، فلا يقوموا ولا يرثوا الأرض”(أشعيا: 14، 2).
والرواية التلمودية تضع يسوع مع (طيطس) و(بلعام) في جهنم إلى الأبد، وجلوسهم في السائل المنوي المغلي، وفي البراز المغلي، على التوالي، وهي عقوبة غريبة إلى حدٍ لا يتصوره عقل.
فمن هو (بلعام)؟ هو إسرائيلي عاش في زمن موسى (ع)، وكانت له مكانة سامية بين قومه، ثم انقلب على قومه، بعد أن أغراه أعداؤهم من المؤابيين وبني عمون، والذين هم من نسل لوط من ابنتيه، بعد أن سقتاه خمراً، وأغرتاه بالزنا معهن (31-37، 19 الخروج)، وأخذ يدعو على قومه بالسوء، وشجعهم على فعل الفواحش، ونشـر الفساد، فاستحق هذه العقوبة.
أما (طيطس)، فهو الإمبراطور الروماني (70م)، الذي دمر الهيكل قبل هدمه ونهب محتوياته، وجعله أثراً بعد عين، وقام بذبح الخنازير بداخله. أما يسوع وأتباعه، فهم الخطائون من بني إسرائيل.
أما اختيار المتهم بوضعه في البراز المغلي، فهي عقوبة غريبة في جهنم، وهي رد على مبدأ المسيح بقوله: “ليس ما يدخل الفم ينجس الشخص، إنما ما يخرج من الفم هو الذي ينجس”(متى15: 1-20/ مرقس7: 1-23/ لوقا11: 37-41).
فكان الرد الحاخامي، وهو يقصد الكفر وكلام السوء: “أنت تعتقد أن ما ينجس هو ما يخرج من الفم فقط حسن، سوف تجلس إلى الأبد في برازك الخاص، وسوف تفهم أخيراً أن ما يدخل الفم ويخرج من المعدة ينجس أيضاً!”، هذا ما يخص (يسوع)، وهو كما نرى رد تهكمي يميل للسخرية من (يسوع).
أما (بلعام)، فلأنه نشـر الفساد والزنا، فإنه سيعاقب في سائل منوي يغلي إلى الأبد. وأما (طيطس)، فإنه سيشترك بالعقوبتين!.
وكما يقول الدكتور (بيتر شيفر) بأن “الجنس، وبدقة أكثر، التخليط في العلاقات الجنسية بلا تحليل ولا تحريم، هو الصفة الأبرز التي تهيمن على عدد كامل من القصص الحاخامية، المتعلقة بيسوع.
وبصورة وبأخرى فلو تم تطبيق الشـرع التوراتي، كان لا بد من رجم أمّ يسوع، ولكن التلمود صب جام غضبه على يسوع، وترك أمّه، واكتفى بأنها عاهرة، وابنها ابن حرام.
وعلى الخصوص فإن أحد الحاخامات المدعو (اليعازر بن هيركانوس) يتهم المسيحية كدين بالممارسة السـرية التي تُفهم بأنها عبادة داعرة مرتبطة بالبغاء “… حتى أن حفلات الجنس الجماعي صارت -إذا جاز القول – العلاقة المميزة لأتباع يسوع”.
وأما الحاخام (يهوشوا بن براحيا)، فإنه يقول بأن السمة البارزة عند الطائفة المسيحية، ومؤسسها، هي السحر، فيسوع لم يكن غير محتشم وميالاً للجنس فحسب، بل أطلق أيضاً عبادة الطوب الوثنية، وأضل إسرائيل، كما يفسـر التلمود عبر ممارسته السحرية.
والحقيقة أن بعض الحاخامات خلطوا بين الجنس والسحر، فوصفوا يسوع بابن الزانية الذي اكتسب قوى سحرية في مصـر، وتخيل بسبب هذه القوى أنه الله!، وأنه في الحقيقة عندما صُلب مات على الصليب، ووضع في القبر، وأن أتباعه (مُضَللو المضِل)، سرقوا جثته من القبر سراً، ثم راحوا يؤكدون أنه قام من بين الأموات وصعد إلى السماء!
[1]– هذه مقالة مختصـرة جداً لكتاب (يسوع في التلمود – المسيحية المبكرة في التفكير اليهودي الحاخامي)، (Jesus in the Talmud)، وهي دراسة علمية – أكاديمية – تتبع فيها البرفسور (بيتر شيفر) من جامعة برنستون الأمريكية، ما يقوله التلمود، وهو الكتاب الأكثر قدسية من التوراة لدى اليهود؛ بقسميه: الفلسطيني الأورشليمي، والبابلي، عن السيد المسيح (يسوع). وقد نقلنا معظم الجُمل كما جاءت بدون زيادة أو نقصان، إلا إذا اقتضت المسألة الإيضاح المقتضب عن بعض الشخصيات.
ونحن كمسلمين لا نتفق مطلقاً مع هذه الطروحات التلمودية، وهدفنا من بيانها الاطلاع لا غير. أما النسخة العربية، فهي من ترجمة د. نبيل فياض، وصادرة عن المركز الأكاديمي للأبحاث – العراق – تورنتو، كندا، عام 2016م.
[2] – ليليت: المرأة الأساسية التي خلقها الله مع آدم في الأرض، لكنها لم ترض بسيطرة آدم عليها فهربت منه وأصبحت معشوقة الشيطان، وهذا ما تقوله الأساطير اليهودية.