اتفاقية المياه بين العراق وتركيا

د. شوان زنگنه

وقّعَ وزيرا خارجية العراق وتركيا على اتفاقية آلية إدارة المياه بينهما، ووصفاه بالاتفاقية الاستراتيجية، بهدف معالجة شُحِّ المياه الذي يشكو منه العراق، التوقيعُ جرى في بغداد، يوم الأحد، 2/11/2025، وقد نصّتِ الاتفاقيةُ على عِدّة بُنودٍ، أهمُّها:

1- الإطلاقاتُ المائية ستكون بإشراف وإدارة تركيا.

2- تتولّى تركيا إدارةَ البُنى التحتية المائية (بناء السدود وتوزيع الإطلاقات المائية وإدارة المياه)، وبشكلٍ مُطلق، ولمدة خمسِ سنواتٍ، على أنْ يُعادَ تسليمُها إلى العراق بعد المدة المُتّفَقِ عليها.. ويشملُ ذلك، كلُّ التقنيات اللوجستية والفنية الخاصة ببناء السدود والبُنى التحتية، التي ستقدِّمُها الشركاتُ التركية، حصرًا.

3- يقومُ العراقُ بإسقاط الدُّيون المُستحَقّة بذمة تركيا، والتي ترتّبتْ عليها بعد خسارتها الدعاوى النفطية التي أقامها العراقُ عليها قبل سنوات.. وقد أنكرتِ الحكومةُ العراقية صحّةَ تنازلِ العراق عن دُيونِه مقابل توقيع اتفاقية المياه مع تركيا، وقد يكون هذا الإنكارُ صحيحًا، ولكن لا يمثّل الحقيقةَ كاملة، إذ تنازلَ العراق عن حقوقه بذمة تركيا في الاتفاقية النفطية التي تمَّ التوقيعُ عليها بين الطرفين قبل أشهر.

4- يتمُّ رفعُ سقف التبادل التجاري بين البلدين إلى ما لا يَقلُّ عن ثلاثين مليار دولار.

5- يتمُّ تمويلُ المشاريع التي ستَتولّاها الشركاتُ التركية في مجال تحديث وتَشييد البُنى التحتية المائية من خلال نظامٍ يعتمدُ على مبيعات النفط العراقي.

6- تهدفُ الاتفاقيةُ إلى تحقيق الاستخدام الفعّال والأمثل والمُستدَام لموارد المياه في العراق.

7- سيتمُّ إطلاقُ مليار متر مكعب من المياه لصالح العراق خلال الأيام القادمة.

هذه أهمُّ بنودِ الاتفاقية، والتي تبقى مُبهَمة، ولا تَقوى على الإجابة على كثير من التساؤلات، حول كمّياتِ المياه التي ستُطلق للعراق، وكُلَفِ إنشاءِ البُنى التحتية، وإمكانيةِ معالجتها لمشكلة المياه في العراق، وما ستَؤُولُ إليه الاتفاقيةُ بعد مدة السنوات الخمس المذكورةِ في الاتفاقية، وغيرِها من علامات الاستفهام الكثيرة التي تنتظرُ الإجابات.

إلا أن الأهَمَّ من ذلك، هو التوقيتُ الحسّاسُ لهذه الاتفاقية وتوصيفُها، من الجانبين، بالاتفاقية الاستراتيجية، في حين كان قد تمَّ عقدُ اتفاقية مياهٍ سابقةٍ بين الطرفين، وتمَّ تشكيلُ اللجان الفنية بخصوصها، وتمَّ عقدُ عدّةِ اجتماعاتٍ لتنفيذها.

هذه الاتفاقيةُ غيرُ المتكافئة، لا تُضيف للعراق شيئاً إضافياً جديداً، ناهيك عن أنّ حِصَّتَهُ من المياه حقٌّ مشروعٌ لا يَتطلّبُ اللّجوءَ لإجراء اتفاقاتِ مُساوَمةٍ وتَنازُلٍ، ولا يمكنُ تبريرُ موافقة العراق عليها، إلا إذا كانت هناك جهةٌ خارجيةٌ دفعتْه للتوقيع على هذه الاتفاقية.

أما بالنسبة لتركيا، فهذه الاتفاقية هي خُطوةٌ أخرى لترسيخ أقدام تركيا في العراق، عموماً، وفي إقليم كوردستان خصوصاً، وتشيرُ إلى توسيع النفوذ التركي في المنطقة على حساب انكماش إيران، ضمن مشروعٍ أمريكي-إسرائيلي، يَمتدُّ من أذربيجان وأواسط آسيا، إلى البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالعراق وسوريا.. وقد أشارَ إلى ذلك مبعوثُ (ترامب) إلى سوريا (توم باراك)، في منتدى معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في (المنامة)، قبل أيام، إذ استشرفَ تعاوناً تركياً إسرائيلياً يمتدُّ من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتُعَدُّ هذه الاتفاقيةُ اللَبَنةَ الأولى لشراكةِ المِياهِ في حَوضِ الميزوبوتاميا، والتي ستَتوسَّعُ في المستقبل لتشملَ كلُّ الدولِ ضمن هذا الحَوض، من البحر الأسود وحتّى البحر العربي، مرورًا بإسرائيل، التي تُخطِّطُ للتطبيعِ والشراكةِ الاقتصادية وتقسيمِ مياهِ المنطقة.

وتأتي عمليةُ السلام في تركيا، أو بتعبير آخر، “تركيا بلا إرهاب”، ضمن هذا التعاون، إذ سيتمُّ إنشاءُ تَحالفٍ تركيٍّ-كورديٍّ، في صيغة نظامٍ سياسيٍّ يحقِّقُ مصالحَ الأطراف، ويضمنُ أمنَ إسرائيل المستقبلي.

ويبدو أنّ الموقفَ الإيرانيَّ المُعارِضَ لِتحرُّكاتِ تركيا في العراق وسوريا، غيرُ واضحٍ ولا فاعلٍ، على الرغم من بذل الجهود لإضعاف تلك التحرّكات، أو إفراغها من محتواها.. وقد يكون مَرَدُّ ذلك هو ضَعفُ إيرانَ الإقليميِّ، وجهودُ تَحيِيدِها، ودخولُها في صراعٍ على البقاء مع التّيار القومي اليهودي اليميني بقيادة (نتنياهو).

السؤالُ الوجيهُ الذي يطرحُ نفسَه هو: لماذا وقّعَ العراقُ على اتفاقيةِ سيادةِ تركيا على مياهه، من دون أنْ تكونَ هناك حاجةٌ ماسّةٌ إلى ذلك، وفي هذا الوقت الحسّاس، ومَنْ دفعَه إلى ذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى