سيادة القانون أولاً

صلاح سعيد أمين

 لا أحد ينكر الأهمية البالغة للدور الذي يلعبه القانون في تنظيم الحياة، وتحقيق العدالة بين شرائح المجتمع المختلفة. ومن يتابع ضرورة وجود القانون وسيادته بين أفراد المجتمع؛ يعلم أن وجود قوانين، حتى إن كانت سيئة، داخل أي مجتمع، أحسن بكثير من عدمه.. وذلك: لأنه في حال وجود قوانين سيئة يعلم المرء كيف يتعامل مع الممنوعات والمسموحات، ويعرف الخطوط الحمراء، ويتجنبها بسهولة.. أمّا إذا عاش المجتمع في ظل غياب القانون، أو عدم سيادته، فإن شـريعة الغاب تصبح هي المهيمنة، فيختلط الحابل بالنابل.

ويحضـرني بهذه المناسبة سؤال، طالما جال في خاطري، وهو: لماذا لم يستلم الموظفون والكوادر التدريسية، في إقليم كوردستان، رواتبهم لشهر الـ 12 من عام 2024؟! وأين ذهبت هذه المبالغ ما بين حكومة المركز وحكومة الإقليم؟! أعرف جيداً أن هناك مشاكل عالقة بين الإقليم والحكومة المركزية ببغداد، حول قضايا مختلفة، منها تصدير النفط، والإيرادات المحلية في الإقليم.. القصة هنا: أن بغداد تقول إنها أرسلت رواتب الموظفين للشهر الـ 12 لعام 2024 إلى إقليم كوردستان، بينما حكومة الإقليم تنفي ذلك! ولكن الواقع يؤكّد: أن الموظفين لم يستلموا رواتبهم لهذا الشهر، وأنا واحد منهم!

والأعجب هنا هو: أن بغداد تطلب من أربيل الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بينهما، وأربيل أيضاً تطلب من بغداد الالتزام بالدستور والقانون!

وأعجب العجائب هو: أنه لم يدخل أحد على الخط، ولم يسأل أي مهتم بشأن القانون وسيادته في العراق: ما هو مصير رواتب الموظفين في الإقليم للشهر الـ 12 من عام 2024، (إن) كانت بغداد قد أرسلتها؟!  وما مصيرها (إن) كانت أربيل قد استلمتها؟!

سمعت بنفسـي مرّات عدّة من خبراء ومختصين: أنّ دستور العراق من أحسن الدساتير في المنطقة! ولكن واقع الحال يجعلنا نشك في ذلك، ونشكّ في كُلِّ ما كُنّا نتطلّع إليه في العراق الجديد، بعد تغيير النظام في 2003، من تحقيق العدالة، وسيادة القانون، واحترام الدستور.. ولا أعتقد أن هناك نموذجاً آخر مثل ما أوردناه في أي بقعة على وجه المعمورة: “مبالغ مالية ضخمة مصيرها مجهول بين حكومتين”، ولا ندري موقع القضاء وكلمته في حسم هذا الجدل، الذي إن دل على شيء فإنما يدل على عدم سيادة القانون وهيمنته في بلد ينبغي أن يكون القانون وسيادته في قمة أولوياته. وهذا مثالٌ من أمثلةٍ كثيرة، وقبضة من شيء نموذج لقنطار، كما يقول المثل الكوردي.

العدد ١٩٣ ǀ خريف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثالثة والعشرون 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى