إنهاء اتفاق نفطي تاريخي بين تركيا والعراق، ماذا يعني؟
شوان زنكنة -خبير اقتصادي

بعد سريانِه لمدة 52 عاماً، أنهى الرئيسُ التركي أردوغان اتفاقاً تاريخياً بين البلدين، كان قد أُبرِمَ بينهما عام 1973م، إذ وقّعَ قراراً رسمياً، الإثنين، 21/7/2025، يُنهي، بموجبه، اتفاقَ خطِّ أنابيب النفط الخام (كركوك-جيهان) الذي يُعَدُّ من أبرز التفاهمات الاقتصادية بين البلدين.
وبحسب ما جاء في القرار الصادر بالعدد 10113/ 21-7-2025، من الجريدة الرسمية، فإنّ الاتفاقَ المُبرَمَ بين العراق وتركيا سيَتمُّ إلغاؤُه بشكلٍ رسمي في 27 تموز 2026، وستنتهي صلاحيةُ جميع البروتوكولات والوثائق الإضافية المرتَبِطَةِ بهذا الاتفاق، وهو التاريخ الذي ستنتهي فيه مدة الاتفاقية، بعد أنْ تمَّ تمديدُها عام 2011م لمدة 15 سنة.
وقد أُبرِمَ هذا الاتفاق التاريخي والاستراتيجي بين الدولتين لتأمين تصدير النفط الخام من العراق (حقول كركوك) إلى ميناء جيهان التركي، ومنها إلى العالم، ويمثّل إنهاؤه تحوّلًا استراتيجيًّا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
واستندَ الرئيسُ أردوغان إلى مواد الاتفاق التي تُتيح لتركيا، قانونًا، أنْ تُنهيَ الاتفاقَ قبل نفَاذ مدّتِه، وذلك باتخاذ قرار الإنهاء قبل سنة من نهاية مدّتِه، وتبليغِ الطرفِ العراقي، وهو ما قامَ به الرئيسُ أردوغان في قراره هذا.
الغريبُ في الأمر، أنّ قرارَ إنهاء الاتفاق النفطي جاء بشكلٍ مُفاجِئٍ، وفي وقتٍ حسّاس جداً، خاصّةً، وأنّه لا يزال هناك سنة واحدة لانتهاء مدة الاتفاق، ناهيك عن أنّه تمَّ اتخاذُه من دون إجراء أيّةِ مفاوضات بشأنه، تمديداً، أو تغييراً، أو تعديلاً، وهذا يُؤكِّدُ، قطعًا، أنّ الرئيسَ أردوغان يريد الاستغناءَ عن هذا الخط النفطي، وانهاءَ وجوده تماماً.
ومن الجدير بالذّكر أنْ نُشيرَ، بهذا الصدد، إلى الاتفاقية المشترَكة بين إقليم كوردستان العراق وتركيا المُبرَمة عام 2014م، والتي بموجبها تمَّ تصديرُ حوالي 500 برميل نفط خام يومياً من حقول طقطق إلى ميناء جيهان التركي، ومنها إلى الأسواق العالمية، وتهدفُ الاتفاقيةُ إلى تصدير مليوني برميل يومياً من النفط الخام، وما لا يقل عن عشرة مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي إلى تركيا، ومنها إلى الأسواق العالمية.
الرئيسُ أردوغان يعلم جيداً أنّ العراقَ مُعرَّضٌ لتغييرٍ جوهريٍّ، في القريب العاجل، وأنّ كوردستانَ العراق المُنبثِقَةِ عن هذا التغيير الجوهري، ستَتمتّعُ بسلطات واسعة، اقتصادية وسياسية، وقد أقرّتْ المحكمةُ الاتحاديةُ بتاريخ 20/7/2025، حقَّ إقليمِ كوردستان في إبرام العقود مع الشركات الأجنبية من دون الرجوع إلى السلطة في المركز، وستَتوسّعُ هذه الحقوقُ والصلاحياتُ مع التغييرات الجوهرية القادمة.
الرئيسُ أردوغان استبقَ الأحداثَ، وأنهى وجودَ خطٍ نفطيٍّ، لا يحتاجُ إليه مستقبلًا، وسيَسعى إلى احتضان إقليم كوردستان، قبل أنْ يحتضنَه غيرُه، من الأمريكان والإسرائيليين والفرنسيين، وغيرهم، وسيُعزِّزُ خطَّ طقطق-جيهان، قاطِعًا الطريقَ عن تَحويلِ مَسارِ تَصديرِ نفط وغاز كوردستان إلى حيفا، أو بانياس.
عمليةُ السّلام في تركيا ستَطالُ العراقَ وسوريا، وستُلقي بظلالها على الجوانب الاقتصادية في المنطقة، بشكل مباشر ومُكثَّف، بالإضافة إلى الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية، وستكون الاستثماراتُ في مجال الطاقة هي الأنشطةَ الاستراتيجيةَ التي ستَعمُّ المنطقةَ، ويأتي قرارُ الرئيسِ أردوغان ضمن هذا الإطار، وفي ظلِّ هذه التحضيرات.
حكومةُ المركز ستتضرّر من إنهاء هذا الاتفاق، وعليها البحثُ عن طرقٍ أخرى لتَلافي حرمانها من الكميات التي كانت تُصَدَّرُ من ميناء جيهان، إما عن طريق تَوسيعِ حجمِ التصدير من موانئ البصرة، أو عن طريق إنشاء خطِّ البصرة-العقبة، ولكن، قد لا يُسْمحُ للعراق بتصدير النفط بأكثر من حصّتهِ، كون النفط المصدّر من كوردستان العراق هو ضمن حصّة العراق، وهذا يعني، أنّ على حكومة إقليم كوردستان أن تعتمد على مواردها النفطية في تغطية إنفاقها العام، وعليها، في هذه الحالة، أنْ تضبطَ موازنتَها، ولا تُكرّر الأخطاءَ السابقة.
ويتعارضُ قرارُ إنهاء الاتفاق النفطي هذا مع استراتيجية طريق التنمية التي رَوَّجَتْ له تركيا وأحاطتْهُ بهالةٍ من التّهويل والتعظيم، واعتبرتْه طريقاً استراتيجياً لنقل السلع والطاقة (النفط والغاز) إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لذلك، يندرجُ هذا القرارُ تحت خانةِ عدمِ واقعيةِ طريق التنمية، وعدمِ إمكانية تنفيذِه، وازدواجيةِ مَقاصدِه، كما كنتُ أشيرُ إليه في كتاباتي دوماً.
هذا القرارُ، سيجعلُ مشاكلَ الطاقة العَويصة بين البلدين، والتي أدّتْ إلى إيقاف ضخِّ النفط في الخطّين العراقي والكوردستاني منذ سنوات، مُعلَّقةً إلى أمدٍ ليس بالقصير، وقد يَتسبَّبُ بِتَوتيرِ العلاقةِ بينهما، ويُؤثِّرُ، كذلك، سلبًا على عملية السلام في الجُزئيّات المُتعلِّقةِ بالأوضاع داخلَ العراق، وسيُخفِّضُ حجمَ التبادُلِ التجاريِّ بينهما.