صراع حضارات أم مصالح؟        

بقلم رئيس التحرير

ما يجري اليوم في منطقتنا ليس حدثاً معزولاً، بل هو ذروة تراكمات تاريخية بدأت منذ ما يزيد على قرن من الزمان، حين أخذت الدولة العثمانية تتهاوى، وبدأت معها مرحلة السقوط الكبير للعالم الإسلامي، جغرافياً وسياسياً وثقافياً. لقد أدى هذا السقوط إلى تقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات وممالك وإمارات متفرقة، تم ترسيم حدودها وصياغة أنظمتها برعاية القوى الاستعمارية الغربية وتخطيطها؛ تلك القوى التي رأت في وحدة المسلمين تهديداً مباشراً لمصالحها الاستعمارية.

وفي هذا السياق، وضمن المشـروع الغربي الرامي إلى تفتيت البنية الحضارية للأمة الإسلامية، تم زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي. وكما قال المسيري، فإن هذا الكيان لم يكن سوى (حاملة طائرات متقدمة) لقوى الاستعمار القديم والجديد، ثم أصبح لاحقاً أداة مركزية في يد الولايات المتحدة، وريثة المشروع الاستعماري الغربي.

لقد كان واضحاً منذ البداية أن الوحدة الإسلامية، بما تحمله من رؤية عقدية جامعة، وثروات طبيعية هائلة، وطاقات بشـرية ضخمة، تمثّل قوّة لا يستهان بها، إذا ما توفّرت لها القيادة والإرادة. ولهذا، سعت القوى الغربية إلى محاربة هذه الوحدة بكل الوسائل الممكنة: من التدخلات السياسية وتدبير الانقلابات، إلى الاحتلال العسكري أو التهديد به، مروراً بالحرب الاقتصادية، وليس انتهاءً بالغزو الثقافي والتشويه الإعلامي.

وكان من أخطر أدواتها في هذه الحرب: رعاية أنظمة حكم محلية لا تهتم إلّا ببقاء سلطتها وتثبيت عروشها، ولو على حساب شعوبها وهويّتها، بل حتّى على حساب استقلالها.

واليوم، وبعد جولـة الحرب التی شهدناها بين إيران والكيان الصهيوني، فإننا – وبناء علی المعطيات السابقة – نؤكد أنها لم تكن سوى امتداد لذلك الصـراع العميق بين مشاريع التحرّر ومشاريع الهيمنة؛ وعلينا أن نأمل أن تكون هذه الحرب، وتداعياتها، بوابة النهوض وعودة الوعي الحضاري للشعوب الإسلامية، للخروج من وهدة التخلف والتبعية، والانطلاق نحو مشاريع الوحدة والتحرّر، والانفتاح على الشعوب.
إن صراع الحضارات لم يبدأ اليوم، بل قد كان على امتداد التاريخ، وسيبقى أواره مشتعلاً، طالما ظلت البشـرية تقدّم منطق القوّة وتفضّله على تعارف الشعوب وتآخيها.

العدد 192 ǀ صيف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثانية والعشرون               

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى