التوحيد بين الإسلام والزرادشتية

د. سعد سعيد الديوه ݘي

 لقد صار مصطلح (التوحيد) رائجاً عند من يسمّون أنفهسم بالمفكّرين المتنوّرين، فراحوا يطلقونه على كل دين ومعتقد، وبفلسفات متهافتة، وتبريرات لا أصل لها، على أساس أن الإله المعبود واحد، في الوقت نفسه، وله صفات بشـرية، كما في اليهودية، أو يشوبه تقديس بعض الظواهر الطبيعية معه، وانقسامه بين اللاهوت والناسوت، كما في المسيحية.

وهذه الكلمات ليست دفاعاً عن الإسلام، ولا مهاجمة للزرادشتية، ولكن بياناً لحقائق تجعل من يقرأ أو يسمع عن الزرادشتية بأنها دين توحيدي أن يراجع نفسه، وذلك بعد أن اعتمدنا على مصادر موثوقة.

وفي مقابلة تلفزيونية مع مفكر تنويري، وفي معرض حديثه عمّا جاء في كل الأديان، قال بأن ما جاء به (زرادشت) لا يختلف عمّا جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم). وقال آخر – وكان يتكلم بثقة بالغة -: بأن كل التراث المأخوذ من الأنبياء، ومن ضمنهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، و(زرادشت)، يجب أن يُترك، لأن الجامع الفلسفي بينهم واحد! وهكذا يتحوّل الإسلام بكامله إلى فلسفة، مثل غيره من الفلسفات، لا غير.

إن الأنبياء كلهم، ومن ضمنهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، ليسوا فلاسفة، ولكنهم يحملون رسالة واحدة، تتلخص بالتوحيد الخالص لله، وهم بشـر، وقد أكد ذلك القرآن الكريم بالآية: [قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشـَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَيّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰاحِدٌ] (الكهف-110)، وغيرها من الآيات.

والتوحيد في الإسلام يقوم على وجود خالق واحد هو الله تعالى، وأن كل ما سواه، وكل ما هو موجود، هو من خلقه، وأنه لا يمكن الربط بين الخالق والمخلوقات بصفات الامتزاج والتداخل، أو تقسيم الألوهية إلى لاهوت وناسوت!

أمّا الزرادشتية، فهي ديانة ثنوية، فارسية الأصل، وهناك اختلاف حول زمن نشوئها، وفيها إله الحكمة والخير والنور (أهورا مزدا)، وإله الشـر والظلام (أهريمان)، وهما في حالة نزاع دائم! ناهيك عن اضطراب حول (أهريمان)، وفيما إذا كان (أهورا مزدا) هو خالقه أم لا!؟

ومن فلسفة الزرادشتية تقديس عناصر الطبيعة، أو إعطائها أبعاداً فلسفية؛ كالماء والهواء والتراب، وللشمس حرمة عظيمة، ومنزلة عالية في الزرادشتية. وأما النار، فلها مكانة متميزة في التعاليم الزرادشتية، ودخلت كعامل رئيسي في الطقوس الدينية، ولها كهنتها، ومعابدها. ففي (الهند) حيث يسمى الزرادشتيون بـ(البارسيين)، فإن التأثير الوثني في معابد النيران لديهم واضح جدًا، حيث توجد تماثيل على بوابات المعابد، تشابه تماثيل (الثور المجنّح) المكتشفة في آثار الحضارة الآشورية؛ مما يدلّ على تأثّر الزرادشتية عبر تاريخها الطويل بهذه الحضارة، وبغيرها من الحضارات. هذا، إذا اعتمدنا أن نشوء الزرادشتية كان معاصراً للدولة الآشورية الحديثة (القرن الثامن قبل الميلاد). وفي عهودها المتأخّرة، وبعد دخول الإسلام إلى بلاد فارس، فقد دخلت فيها المعتقدات الأخروية، والصلوات الخمس، رغم تباينها مع الصلاة في الطقوس الإسلامية، وذلك بالتأثير الإسلامي، أو تماشياً معه.

وينقل (د. فرست مرعي) من المستشـرق الفرنسـي (رومي كرسمان) (١٨٩٥- ١٩٧٩م)، بأن دین (زرادشت) لم يكن ديناً توحيدياً ([1]).

والارتباك في الديانة الزرادشتية، يعود إلى كتابها المقدس المسمى (آفستا – آوستا Avesta)، الذي يتكون من خمسة أجزاء، تمت كتابتها على أطوار زمنية متباعدة، وأقدم جزء منها يعود إلى عصـر (زرادشت) (حوالي 600 ق.م)، ويقال إنه يشتمل على أقوالـه وتعاليمه التي جمعها تلاميذه، ثم أضاف إليها رجال الدين (المجوس) أحكاماً وتقاليد دينية، معمول بها الآن.

وفي كتاب الزرادشتية المقدس (دينكرت)، الذي كُتب في القرنين الأول والثاني بعد الإسلام، هنالك نص يقول: “بأن الزواج بين الأخ وأخته مُنوّر بمجد إلهي، وله فضيلة طرد الشيطان”. وقد قال أحد كبار كهنتهم “بأن زواج المحارم يمحو الكبائر”، وعليه فقد تزوج الحكيم الإيراني (أرداك فيراز) أخواته السبع، وكان ذلك قبل دخول الإسلام إلى فارس. وكان الإمبراطور الأخميني (قمبيز) (529-522ق.م)، تزوج من أخته (أتوسا)، وكذلك من أخته الأخرى! وهنالك عشرات الأمثلة في الكتاب المذكور آنفاً.

ويؤكد (د. فرست) أن في كل كتب الزرادشتية هنالك تأكيد بما لا يقبل الشك حول وجود زواج المحارم، وأنها تحثّ على ذلك، لا سيما أن غالبية الكتب البهلوية قد تمّ تأليفها في القرن الثالث الهجري، رغم المحاولات الحثيثة من قبل بعض الكتبة لنفي المسألة.

لقد بيّنا ذلك، لنقول بأن من يضع الإسلام على أنه فلسفة محمد (صلى الله عليه وسلم)، كفلسفة (زرادشت)، أو (بوذا)، أو غيرهما، فإمّا أن يكون الأمر متعمّدًا غايته تشويه التوحيد عند المسلمين، وهي نفس غاية ما يسمّى بالأديان الإبراهيمية التي شاعت الآن، أو عن جهل مطبق.

ومع ذلك، فإن ما يؤمن به المسلمون، وبعد اكتمال الرسالة، لا تنطبق عليه إلا الآية الكريمة: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] (الحج-17). والتوحيد الخالص لله لا تشوبه شائبة من أي نوع كانت، أو تعليمات تدعو للإباحية، وغيرها من المحرّمات.


[1] – د. فرست مرعي، تاريخ الزرادشتية وعقائدها ودور المستشرقين في إحيائها، مكتبة هيما، دهوك 2022م.

العدد ١٩٢ ǀ صيف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثانية والعشرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى