الأب الفيلسوف
إبراهيم أمين مؤمن/ مصـر

مشهد 1:
الغياب والحضور
الابن:
أبي، هل رأيت جنازة آلان كوردي؟
الأب:
لم أرها، لكنني رأيت وجع العالم في عينيه الصغيرتين، وكأن البحر لم يغرق جسده، بل غرق فيه ضمير البشر.
* * *
مشهد 2
عن الماهية والوجود
الابن:
أبي، الفلاسفة اختلفوا، من يسبق: الوجود أم الماهية؟
الأب:
الوجود أولًا يا بنيّ؛ لأنّه لا ماهيّة لشـيء لم يكن موجودًا أصلًا. نحن لا نتخيّل المعنى قبل أن نلمس صورته.
* * *
مشهد 3
التاريخ والسلطة
الابن:
هل يُمكننا أن نثق في كتب التاريخ؟
الأب:
التاريخ ليس سجلًا بريئًا يا ولدي، إنه مرآة مشـروخة تعكس وجه المنتصـر أكثر مما تعكس الحقيقة. اقرأه بعين ناقدة، لا بعين تلميذ.
* * *
مشهد 4
الحقيقة
الابن:
وكيف أميّز الحقيقة؟
الأب:
ابحث عنها في قلبٍ حرّ وعقلٍ متجرّد من الهوى.. الحقيقة لا تصـرخ، لكنها حاضرة لمن يصمت ويصغي.
* * *
مشهد 5
عن العدم والموت
الابن:
وما هو العدم؟
الأب:
هو ليس شيئًا لنُدركه، إنه فقط غياب الوجود.. لكن حتى هذا الغياب لا يخلو من أثر.
الابن:
وهل الموت عدم؟
الأب:
الموت انتقال، لا اختفاء. لا شيء يُفنى في هذا الكون، بل كل شيء يتحوّل.
* * *
مشهد 6
السعادة
الابن:
أين أبحث عن السعادة؟
الأب:
في الرضا، لا في الامتلاك، وفي التوازن بين العطاء والتجرّد.. السعادة لا تُشترى، لكنها تُكتسب كلما ازددت بُعدًا عن الأنا.
* * *
مشهد 7
الموهبة والعلم
الابن:
هل الموهبة فطرية؟
الأب:
هي شـرارة يولد بها الإنسان، لكن إن لم يُغذِّها بالعلم، خمدت.. الموهبة بداية الطريق، والعلم رفيقه حتى النهاية.
* * *
مشهد 8
الحرب والعدالة
الابن:
في الحروب، من يكون على حق؟
الأب:
في الحرب، الكل خاسـر يا بني.. أحيانًا لا يكون الحق هدفًا، بل ذريعة، والقوة تكتب الرواية، وتوزّع الأدوار.
* * *
مشهد 9
النية والخطأ
الابن:
هل يُمكن لإنسان أن يفعل الشـر، وهو يظن أنه يُحسن صنعًا؟
الأب:
نعم، لأن الضلال يبدأ حين يتحدث القلب بصوتٍ خافت، ويعلو صوت الهوى والعناد.
* * *
مشهد 10
الإيمان والرضا
الابن:
متى يبلغ الإنسان كمال الإيمان؟
الأب:
حين يرضى بكل ما يجيء من الله، لا ساخطًا ولا متأففًا.. فالإيمان الكامل ليس في كثرة العبادة، بل في عمق السكينة.
* * *
مشهد 11
الإنسان والحقيقة
الابن:
ما الإنسان؟
الأب:
روحٌ تبحث عن معنى، وقلبٌ يُضـيء إذا صَدَق، ويظلم إذا جحد.. هو مشـروع نور، إن صدق نفسه بلغ.
* * *
مشهد 12
عن النوم والموت
الابن:
وهل النوم صورة من الموت؟
الأب:
صورة ناقصة.. فالنائم يعود، أمّا من مضـى، فلا عودة له. النوم استراحة للجسد، والموت استراحة للروح في انتظار النشور.
* * *
مشهد 13
النهاية
الابن:
وما بعد كل هذا، ماذا يبقى يا أبي؟
الأب:
يبقى الأثر، لا المال ولا الكلام.. ما زرعته من خير، وما أنقذت من نفس، وما تركت من نورٍ في دروب الآخرين… هو ما يبقى.
العدد ١٩٢ ǀ صيف ٢٠٢٥ ǀ السنة الثانية والعشرون