معايير الشفافية
خليل إبراهيم
تعدّ الشفافية من أهم معايير ومرتكزات الحكم الرشيد، وتعتبر دعامة أساسية للمعايير الأخرى؛ كالمشاركة، والمساءلة، والكفاءة، والفاعلية، والنظام الرقابي الفعال، إذ هي تعني – في أوضح معانيها – التدفق الحر للمعلومات، وإتاحتها لكل المؤسسات والجهات المعنيّة، والمواطنين، وسهولة الاطلاع عليها، وتبادلها. إن عمل المؤسسات وأدائها، والمعلومات والعمليات، ضمن معادلة المدخلات والمخرجات، يجب أن تكون قابلةً للمعرفة، وميسور الوصول إليها، وسهلة الفهم والاستيعاب، وكافيةً وشاملة، وذلك لتسهيل إخضاعها للنظام الرقابي المحاسبي، ومتابعتها، وتطبيق مبدأ المساءلة عليها، ومحاسبتها أمام الرأي العام، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقّها.
تكتسب الشفافية أهميّتها من كونها المنطلق الأساسي، والمبدأ المركزي، الذي تنبني عليه عناصر الحكم الرشيد الأخرى، ومن أجل ذلك احتلّت مساحة واسعة من اهتمام المنظمات الدولية والمحلية والوطنية، لدورها الرئيس في تمكين المعنيين بالقرارات الصادرة من داخل المؤسسات وخارجها، وتلبية حقوق المواطنين، وتقديم المساعدة لهم، وتوعيتهم، واطلاعهم على الخيارات المتاحة، وتسهيل عمليات تقييم الأداء.
إن مقياس الديمقراطية الحقيقية، والأداء الرشيد للحكم، والسلوك السياسي السليم للقائمين على أمر الحكومة، والمضمون الحقيقي للحكم الصالح، يتوقف على مساحة وجود الشفافية في الموارد وإدارتها، وتوفير المعلومات، وحرية الوصول إليها، في عمليات صنع القرارات، ورسم السياسات. الأمر الذي ينعكس – سلباً أو إيجاباً – على دور المواطنين، ورضاهم، وثقتهم بمنظومة الحكم، وتفاعلهم مع قضايا التنمية، وصناعة بيئة ارتقاء بالمجتمع، وتحقيق الشـرعية في عمل مؤسسات الحكم، والمشاركة الإيجابية في الحياة العامة، وتحقيق التعاون المثمر والانسجام بين مؤسسات الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، بما يحقّق المصلحة العامة، واستقرار المجتمع، واطمئنان ورضا المواطنين، وبالتالي التمهيد والتهيئة لتنمية الموارد البشـرية، واستدامتها، عبر تعزيز مبدأ المشاركة، وترسيخ فكرة التقييم حول الأداء، وإجراء طرق وأساليب المساءلة للقائمين على الحكم.
فبقدر ما تنشط حركة حرية تدفق المعلومات، وتتسع دائرة الشفافية في عمليات إدارة الموارد واستثمارها، وتوزيعها العادل؛ وفي عملية صنع القرار واتخاذه، بقدر ما تقوى وتتعزز حركة محاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وتَنْشَطُ معركة الوعي المجتمعي، مما يؤدّي إلى تفعيل دور المواطن في بناء المجتمع الحيوي، والوطن المستقر.
فالشفافية تساهم في بناء الثقة، وفي ترشيد عمليات صنع القرار، وتبني جسور التواصل الفعال بين المؤسسات والمواطنين، وتعزّز التفاعل الإيجابي لدى الجماهير، وتصنع مناخ مراقبة الأداء، وتحقّق بيئة مساءلة المسؤولين عن القرارات والأفعال والممارسات. كما أنها تلعب دوراً بارزاً في تعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة السياسات العامة، الأمر الذي يعرقل حركة الفساد، ويسهّل الطريق لمكافحته ومحاصرته.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نعرج على مؤشّرات الشفافية، باختصار شديد، وعلى النحو الآتي:
1- توافر وثائق واضحة حول أهداف المؤسسة، وفلسفة عملها، وبرامجها، وإتاحتها للجمهور للاطلاع عليها.
٢- وجود معلومات حول النظام الأساسي، والهيكل التنظيمي للمؤسسة، ونظام للموظفين، وميزانية المؤسسة وتمويلها، وعلاقاتها.
3- فتح المجال وإتاحة الفرصة للاطلاع على خطط المؤسسة، والاشتراك في صياغتها، والتعليق عليها، بغية المزيد من الإنضاج.
4- معرفة المواطنين بأنشطة المؤسسة، وكيفية الحصول على خدماتها.
5- سياسة عامة للنشـر للجمهور المعني، وإتاحة الفرصة لحضور الاجتماعات العامة في المؤسسة، والاطلاع على محاضرها.
6- إقرار قوانين وسياسات تلزم المؤسسات بتحقيق الشفافية، وتحديد إجراءاتها.
7- استخدام التقنيات الذكية والتكنولوجيا المعلوماتية لتحقيق الشفافية، وتسهيل الوصول إلى المعلومات وتحليلها.
8- معرفة سياسة مواجهة الأزمات، وكيفية التعامل مع الأوضاع الطارئة، بشكل شفاف. 9- توفير برامج التوعية والتدريب للمعنيين حول أهمية الشفافية، وسبل تحقيقها.