ثنائية الاستقطاب وإعادة الاستقطاب!
د. عمار وجيه
في كل مرحلة هناك إرادات داخلية وخارجية تصنع الثنائيات، وتذكي التشدد فيها.
في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، كانت الحملة ضد الشيوعيين، بحيث تناسى السنة والشيعة خلافاتهم لمواجهة الشيوعيين، سيما بعد أن ارتكبوا مجزرة الشواف.
إبّان حكم البعث، وبالذات من ١٩٦٩- ١٩٩١، برزت ثنائية الولاء للبعث والمعارضة له.
بعد عام ١٩٩٢، سيما بعد أن خرج صدام من الكويت مقهوراً، ظهرت ثنائية جديدة، وهي الموالاة لإيران والمعاداة لها، وبالطبع راجت سوق التسميات؛ روافض مقابل نواصب، شعوبيون مقابل عروبيين… وهكذا.
وبالتزامن معها، وبعد استقلال كوردستان، تصاعدت نغمة الكورد العلمانيين ضد العرب، فصاروا يطلقون مسمى الشوفينية على العرب.
وبعد الاحتلال ظهرت ثنائيات متعددة ومتسارعة؛ المقاومة ضد العمالة للأمريكان، الملتزمون بالنظام مقابل الخارجين عن القانون، السنة مقابل الشيعة، المد الشعبي ضد الدواعش…
لكن أبرز ثنائية عنفية، تركت أسوأ أثر، هي الثنائية الطائفية التي أسست لنظام إقصاء واستبدال مكتمل الفصول، وقد يحتاج إلى ثلاثين عاماً أخرى ليتوازن.
اليوم نحن أمام ثنائية جديدة وغريبة، دوّخت الشيعة والسنة والكورد والتركمان.. إنها ثنائية الممانعة مقابل ما يسميه الغرب قوى الاعتدال.. والمشمولون بهذه الثنائية ليسوا العراقيين حسب، بل أغلب شعوب الشرق الأوسط.
المشكلة في هذه الثنائية أنها تجبرك أن تختار بين أمريكا وإيران.
الشيعة في الحكومة مصلحةً مع أمريكا؛ لأنها مفتاح الاستقرار والتنمية، وديانةً مع إيران، باعتبارها القوة المتنفذة الحامية للمذهب.
السنة ليسوا رقماً في الحكومة العراقية، ويرون مصلحتهم مع أمريكا، لحماية ما تبقى من التوازن (الموهوم)، لكنهم أكثر حماسةً في نصرة غزة، وذلك يستلزم أن يعقدوا هدنة مع إيران.
وفي الحقيقة هذا تبسيط للمعادلة، فثمة معادلات معقدة داخل كلا المذهبين.
فكيف نخرج من الثنائيات القاتلة، أو نحيّد بعضها؟
إنها الوسطية التي تعلّمنا واجب الوقت.. فحين يكون واجب الوقت نصـرة المظلومين، وإقامة العدل، في العراق، تجب النصرة، وحين تكون غزة قضية القضايا، تكون نصـرتها مقدمة على كل شيء.
أما العمل للمستقبل، فليس سوى أن تستمر الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع، والدعوة لفهم كتابه العزيز، والعمل به، وعندها تبقى ثنائية واحدة أمام المسلم، وهي ثنائية الإيمان والكفر:
﴿لا يَتَّخِذِ المُؤمِنونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ وَمَن يَفعَل ذلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللَّه في شَيءٍ إِلّا أَن تَتَّقوا مِنهُم تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفسَهُ وَإِلَى اللَّهِ المَصيرُ﴾ [آل عمران: ٢٨].
العدد 188 ǀ صيف 2024 ǀ السنة الحادية والعشرون