الكبالا ودورها في ظهور الحركات المُريبة في أوروبا
أ.د. فَرسَت مَرعي
الكبالا اتجاه صوفي ذو شعبتين: نظرية تأملية، وعملية سلوكية، وهو يعتمد في مفرداته على الجمع والتلفيق من مذاهب الحروفيين في تقديس الأعداد والحروف، ومذاهب الفيضيين القائلين بالكشف والإشراق والإلهام، مع حنّو إلى طريقة الملامتية في الدعوة إلى نبذ مطالب الحياة الجسدية، والتنكّر لها، واللامبالاة بما قد يتعرّض له الصوفي السالك من إهانة وتحقير، والدعوة إلى سلوك طريق التطهر والتزكية بإدامة الذكر وإدمان التفكير والاستغراق في الذات الإلهية([1]).
يدّعي الكباليون أن فلسفتهم قديمة قدم البشـرية، وأنها بدأت مع آدم – عليه السلام – نفسه، ثم نقلت عنه إلى نوح – عليه السلام -، ثم إلى النبي إبراهيم – عليه السلام -، الذي يقولون إنه تأمّل في عظمة ومعجزة الوجود الإنساني، وبنية الكون، وعمل قوانين الطبيعة، فظهر له العالم الأعلى من خلال الوحي والإلهام، فقام بنقل جزء من أسرار هذه المعرفة إلى أتباعه، الذين نقلوها بدورهم شفهياً عبر الأجيال، كما كان كل معلّم يضيف براهين تجربته الشخصية([2]).
ويؤمن المسلمون، واليهود، بأن النبي موسى – عليه السلام – تلقّى التوراة عن ربّه في جبل الطور بسيناء، لكن الكباليين زعموا أنه ذهب إلى الجبل ثلاث مرات، مدة كل منها 40 يوماً، حيث تلقّى في الأولى نصوص الشـريعة الظاهرية التي تمّ تدوينها في التوراة، ويتمّ تعليمها للعوام من بني إسرائيل، وفي الثانية تلقّى روح الشـريعة، التي يتعلّمها الأحبار (الحاخامات). أما الثالثة، فتلقّى فيها روح روح الشـريعة، أي الأسرار الخاصة بعلماء الكبالاه، ويزعمون أن موسى أخفاها في النصوص، ولا يتم فهمها إلا باستخدام شفرات معيّنة، وعبر التأمّل الخاص([3]).
وخلال تعرض اليهود للسبي البابلي 586 – 578ق.م، نُسبت إلى النبي (حزقيال) رواية وردت في سِفْر يحمل اسمه، حيث تقول إنه رأى رؤيا عن صعوده إلى السماء، تمكّن فيها من رؤية الإلـه على عرشه، (كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلاَثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ)([4])، فاستفاد الكباليون من هذه القصة لابتكار عقيدة رؤية الإله، والاتحاد فيه. وفي عام ٥۸٦ ق.م بدأوا بتدريس الكبالا ضمن مجموعات صغيرة من التلاميذ.
وعندما سيطرت الدولة الرومانية على أرض فلسطين، واضطهدوا بني إسرائيل، عادت الكبالا إلى السّـرية، فقالوا إن الحاخام (شمعون بن يوحاي)، والملقب بـ(الراشبي)، بدأ مرحلة جديدة عام 150م، حيث اختفى في كهف لمدة 13 سنة، بعد أن تعرّض أستاذه (عاكيفا)، وزملاؤه، للقتل من قبل الرومان، ثم خرج الراشبي ومعه كتاب (الزوهار)، زاعماً أن النبي إيليا – (إلياس)، عليه السلام – ظهر له خلال اعتكافه، وأملاه عليه كلمة كلمة؛ كما زعم أنه طبّق ما أملاه عليه بنفسه، وترقّى إلى أعلى درجات العالم الروحي، متخطّياً كافة درجات السلّم البالغ عددها 125، التي وضعها الإله، والتي بإمكان الإنسان إحرازها في هذا العالم.
وترتدّ حركة الكبالا، في أصولها وجذورها، إلى المآثر اليهودية الخاصة بالمركبة الإلهية، إلى بلاد بابل، إذ المعتمد عند مؤرّخة الفكر الديني عند اليهود أن تعاليم الكبالا – لا سيّما في جوانبها العملية السلوكية – كانت قد نفذت إلى أوروبا من قبل صوفي عراقي الأصل والنشأة هو (أبو هارون بن صموئيل)، من مدّعي الخوارق والكرامات والنزعات الباطنية المنتشـرة في الشـرق، الذي هاجر إلى إيطاليا، ونشر تعاليمه بين أفراد من عائلة کالانيموسKalonymus) )، الذين نقلوها بدورهم إلى ألمانيا، في القرن العاشر الميلادي، حيث بلغت الكبالا أوج تأثيراتها فيها في القرن الثالث عشـر. وكان من مشاهير ممثليه (يهودا التقي) (ت ۱۲۱۷م)، المعروف بأثره الذائع الصيت كتاب (التقي) (Sefer Chasidism)([5]).
وحركة الكبالا جاءت كردّ فعل لمحاولات علماء الكلام اليهود، من أمثال موسى بن میمون، صياغة العقيدة اليهودية صياغة فلسفية صارمة. ومن جهة أخرى، فإن تعاليم الكبالا، وما فيها من دعوة إلى إنكار الذات والتطهّر، كانت الملجأ الذي أوى إليه اليهود في أوروبا بعد حملات القتل والتشـريد والإبادة الجماعية وألوان الاضطهاد التي تعرّضوا لها، وما كانوا يعانونه من هوان اجتماعي وسياسي في ألمانيا إبّان القرنين الثاني عشـر والثالث عشـر الميلاديين، وما كانوا يتعرّضون له من حملات اضطهاد ومصادرة للأملاك، والمخاوف التي كانت تحيط بهم من كل جهة وطرف([6]).
يقول المسيري في موسوعته: “إن القبالاه هي مجموعة التفسيرات والتأويلات الباطنية والصوفية عند اليهود، فاسمها مشتق من كلمة عبرية تفيد معنى التواتر أو القبول أو التقبّل أو ما تلقّاه المرء عن السلف، أي (التقاليد والتراث)، وكان يُقصد بها أصلاً تراث اليهودية الشفوي المتناقل فيما يعرف باسم )الشـريعة الشفوية(، ثم أصبحت الكلمة تعني منذ أواخر القرن الثاني عشـر: (أشكال التصوّف والعلم الحاخامي المتطوّرة). وقد أطلق العارفون بأسرار القبَّالاه على أنفسهم لقب “العارفين بالفيض الرباني”، ويمكن القول إن هذا المذهب يمثل الجانب الصوفي الباطني لليهودية”([7]).
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أنواعاً من الباطنية (التصوف العرفاني) تحرص على البقاء في نطاق توحيد الله، وتنزيهه عن الاندماج بالمخلوقات، فالإله – بهذا المعنى – يتجاوز الإنسان والكون والتاريخ، ويحاول المتصوّف – من خلال مجاهدة شهواته، وعشقه للإله – أن يتقرّب منه. لكن هناك نوعاً آخر للتصوف ينتهي به الحال إلى (وحدة الوجود) و(الحلولية)، حيث يؤمن بالواحدية الكونية، وبأن الإله يحلّ في الطبيعة والإنسان والتاريخ، ويتوحّد معها، وبدلاً من المجاهدة والزهد، يهتمّ المتصوّف هنا بالفلسفة الباطنية التي يحاول فيها تفسير اندماجه بالإله وتألّهه. فهذا التصوّف أقرب للعلمنة من الدين، لأنه يسعى لتعظيم الإنسان، وتأليهه، بدلاً من تكريس عبوديته لله([8]).
ويمكن أن يرى أثر هذا المذهب الحلولي الغنوصي في بعض أشكال التصوّف الفلسفي داخل أديان عدة، بما فيها الإسلام، لكنه في الكبالا يبلغ أقصـى درجات التطرّف، حتى يصبح ضرباً من محاولات التدخّل في الإرادة الإلهية، أملاً في أن يتمكّن اليهودي المتصوّف من التحكّم في الكون من خلال الاندماج بالإله، وفهم آلية عمل الكون، وسر الخليقة([9]).
وكان من أشدّ العوامل تأثيراً في انتشار تعاليم الكبالا، ظهور المدوّنة الصوفية الجامعة الكبرى؛ المعروفة بالزوهار “Spledour “Zohar Redianit ، في القرن الثالث عشـر، والمكتوبة في أجزاء منها بالآرامية، وأخرى بالعبرية. وقد اعتبر الزوهار المنبع والمصدر للنزعات الروحية بين اليهود؛ في اتجاهيها الرئيسيين: التأملي الفلسفي، والممارسة العملية. والمتواتر عند مؤرّخة الفكر الديني اليهودي أن أول من جمع مادة الزوهار من مصادر متنوعة ومختلفة، هو موسى الليوني القرطبي (ت ١٣٠٥م)، الذي نَسَب مادتها، وما فيها من رؤى وأحلام وأساطير، إلى الراباي (سيمون بن يوخاي)(Simon Ben Yochai) (100 – ١٦٠م تقريباً)([10])، من رجال القرن الثاني الميلادي، والذي عاش عقب فشل حركة التمرد التي قادها (شمعون باركوخبا)([11]) منتحل المسيحانية، وهرب متخفياً عام ١٣٢م، أيام حكم الإمبراطورالروماني (هادريان)([12])، نظراً لمضايقة السلطات الرومانية له ولأتباعه، وأنه غاب تقية على نفسه لمدة ثلاث عشـرة سنة بجوار البحر الميت، حيث تدّعي الأساطير أن النبي إيلياء كان يزوره خلالها، ويعلّمه الأسرار. ومشاهير رجال الكبالا جميعاً كانوا من يهود السفارديم، أي من الأندلس العربية، أمثال: أبو العافية، وإسحاق بن لطيف بن نخمان (١١٩٥ – ١٢٧٠م).
وتبحث فصول المدونة في مسائل تتعلق بوحدة الألوهية، والمظاهر الأزلية التي تتجلى فيها الربوبية للعالم، والسّـر الخفي لأسماء الله الحسنى، وأن الله تعالى لا يُحَدُّ، ولا يمكن إدراكه بالعقل، إلا في تجليات فيوضاته في عشـر مراتب متتالية: Sefirot السفيروت، والروح الإنسانية؛ طبيعتها ومآلها، وطبيعة الخير والشـر، وأفكار تتعلق بالمسيحانية والخلاص.
و(الزوهار)، كلمة عبرية تعني الإشراق، أو الضياء. وكتاب الزوهار أهم كتب التراث الكبالي، وهو تعليق صوفي مكتوب بالآرامية على المعنى الباطني للعهد القديم، ويعود تاريخه الافتراضي – حسب بعض الروايات – إلى ما قبل الإسلام والمسيحية، وينسب الكتاب أيضاً إلى أحد معلمي المشناه (الحاخام شمعون بن يوحاي) (القرن الثاني الميلادي)، وإلى زملائه. ولكن يقال إن (موسى دي ليون)، مكتشف الكتاب في القرن الثالث عشـر، هو مؤلّفه الحقيقي، أو مؤلّف أهمّ أجزائه، وأنه كتبه بين عامي ١٢٨٠-١٢٨٥م، مع بدايات أزمة يهود إسبانيا، وخروجهم منها. وبعد مرور مائة عام على ظهوره، أصبح الزوهار بالنسبة إلى المتصوّفة في منزلة التلمود بالنسبة للحاخاميين، وشاع الزوهار بعد ذلك بين اليهود، حتى احتل مكانة أعلى من مكانة التلمود، وبخاصة بعد ظهور الحركة الحسيدية .
ويتضمن الزوهار ثلاثة أقسام: الزوهار الأساسي، وكتاب الزوهار نفسه، ثم كتاب الزوهار الجديد. ومعظم الزوهار تعليق أو شرح على نصوص الكتاب المقدس، وبخاصة أسفار موسى الخمسة، ونشيد الإنشاد، وراعوث، والمراثي. وهو عدّة كتب غير مترابطة، تفتقر إلى التناسق، وتحديد العقائد، فهو يضم مجموعة من الأفكار المتناقضة، والمتوازية، عن الإله، وقوى الشّـر، والكون. وفيه صور مجازية، ومواقف جنسية صارخة، تجعله شبيهاً بالكتب الإباحية، وهو ما ساهم في انتشاره، وشعبيته. والمنهج الذي يستخدمه ليس مجازياً تماماً، ولكنه أيضاً ليس حرفياً، فالمفسـّر يفرض على النص المعنى الذي يريده، من خلال قراءة غنوصية تعتمد على رموز الحروف العبرية، ومقابلها العددي. والزوهار مكتوب بأسلوب آرامي مصطنع، يمزج أسلوب التلمود البابلي بترجوم، أو نكيلوس، وهو كتاب طويل جداً مؤلّف من ٨٥٠ ألف كلمة في لغته الأصلية، والموضوعات التي يعالجها هي: طبيعة الإله، وكيف يكشف عن نفسه لمخلوقاته، وأسرار الأسماء الإلهية، وروح الإنسان، وطبيعتها ومصيرها، والخير والشـر، وأهمية التوراة، والماشيح، والخلاص. ويتحدّث الزوهار عن التجليات النورانية العشـرة (سفيروت) التي يجتازها الإله للكشف عن نفسه. وقد ظهرت أولى طبعات الزوهار بين عامي ١٥٥٨ و ١٥٦٠م في إيطاليا، وظهرت له طبعة كاملة في اثنين وعشـرين مجلداً، في القدس، بين عامي ١٩٤٥م و ١٩٥٨م، كما ترجم إلى الإنكليزية والفرنسية.
لقد تهيّأت لتعاليم الزوهار فرص الانتشار والسيطرة على عقول كثيرين، وذلك بعد طرد اليهود جبراً من الأندلس عام ١٤٩٢م، حيث حمل تعاليمها المهجرون عنها عنوة إلى الشـرق: الدولة العثمانية – تركيا، ومصـر، وفلسطين، وإلى دول أوروبا الغربية، مثل: إيطاليا، وألمانيا، وهولندا، وإنكلترا، وحيثما حلّ أتباع الزوهار عمدوا إلى نشـر تعاليمها، وترسيخ مفاهيمها، وتعميم طرائق السلوك الموصولة بهذه التعاليم([13])، حيث بلغت أوج عظمتها بمدينة (صفد) الفلسطينية([14])، ومدرستها الصوفية([15])، التي كان من مشاهيرها: موسى القرطبي (١٥٢٢-١٥٧٦م)، وإسحاق لوريا (١٥١٤ – ١٥٧٢م)، الملقب بالأسد، الذي التحق بحلقة صفد بعد إقامة قصيرة في جزيرة وسط نهر النيل، انكب خلالها على دراسة أدبيات القبالا المأثورة([16]).
وبخصوص الحسيدية، التي تبنّت الكبالا، فهي حركة روحانية اجتماعية يهودية، نشأت في القرن السابع عشـر. يعدّ (بعل شيم توف) مؤسس الطائفة الرئيسي، حيث نشـرها في أنحاء شرق أوروبا. والفكر الحسيدي، وخصوصًا في الأجيال الأولى، تميّز بالدعوة إلى عبادة الرب، وطاعته، ومحبة إسرائيل، وأتباعه الصالحين. وفي الأجيال الأخيرة تمتاز الحسيدية، بشكل أساسي، بوضع مزارات حسيدية مخصصة حول سلالات الحسيديم.
ففي القرن السابع عشـر كانت هناك عدة عمليات موازية من يهود أوروبا الشـرقية، وضعف الحكم المركزي في مملكة بولندا الكبرى، التي كانت تحكم مساحات واسعة من ليتوانيا وأوكرانيا، وكان حال الوضع الأمني والاقتصادي متدهوراً جداً. وبعد ذلك انهار الحكم المركزي في المملكة، وفي أعقاب ذلك وزّعوا الأراضي في أوكرانيا وفودوليا، إبّان سيطرة الدولة العثمانية، وانتقال الحكم إليها. فالشعور بانعدام الأمن المادي بين اليهود، وانعكاس الأزمة الأولى في مذابح سنوات المراسم، عندما غزا القوازق الروس بولندا، وأصابوا قبل كل شيء يهودها؛ لذلك فإن هذه التغيرات السياسية شهدت زيادة ملحوظة في معاداة اليهود من جانب الحكومة البولندية، والنبلاء، للحدّ من المهن المسموح بها لليهود.
وكان الاتحاد البولندي الليتواني قد اتخذ وسيلة النقل البحري لتجارة السلع ونقلها من الشـرق إلى الغرب، ومع تطوّر النقل البحري انخفضت قابلية النقل البري، وقلّت قوافل التجارة. ومن هنا ضربت معيشة اليهود، فأصبح قسم منهم يرتزقون من السمسـرة والتبادل التجاري، وبعد هذا تغلبوا على الصعوبات في حياتهم ومعيشتهم. لذلك تقلصت فرص تعلّم التوراة إلى حدّ كبير. وفي بداية القرن الثامن عشر تمّ تشكيل وعي كبير في المجتمع اليهودي بين مجموعة صغيرة نسبياً من العلماء الذين كانوا يعرفون التوراة، وبين عامة الناس، الذين لم يكن لديهم القدرة على التعلّم ومعرفة التوراة، وكانت بشكل بدائي وسطحي. وخلال هذه الفترة، لم يكن هناك مرجعية يهودية كبرى في أوروبا الشرقية.
ومن جهة البحث الروحاني، فمن بين الذين تعلّموا التوراة، والذين شعروا بأن حياتهم الفكرية تدور حول فراغ مظلم، من تيقظ لديهم التعطش للحياة التي تملأ النفس، وبحثوا عن ما يريدون في نظرية الكبالا (الصوفية)، ولكنهم لم يصلوا إلى غايتهم.
ووفقاً للتقاليد الحسيدية، انعزل من يعتبر مؤسس الحركة الحسيدية (ربي موسى بن نحمان) طيلة عشرة سنوات في جبال كربات (الواقعة بين قطبي كوسوفا الذي يقع في غاليسيا). وفي بداية طريقه كان يتجول بين الجبال والقرى، وشجع اليهود البسطاء، ولكن بعد تكاثر تلاميذه جلس في مدينة (مزبوز)، التي تقع في بودوليا (أوكرانيا حالياً). ومنذ ذلك الوقت قاد الحسيديم طوال ستة وعشرين سنة، حتى وفاته في سنة 1760م، ومن بين المزايا الفريدة لطريقته، كانت الصلاة تقام بتدبر وخشوع تام في أسرار التوراة، وسط عدد صغير من الأصدقاء والطلاب، من ضمنهم مشهورين آخرين عملوا في جبال الكاربات([17])، وتلاميذ حكماء آخرين، احتشدوا حول (ربي موسى بن نحمان)، وشخصيته، وتعلموا طريقته في العبادة.
ومن هذا الوسط نمت الحركة الحسيدية. وكان لـ(ربي موسى بن نحمان) تلاميذ، وربما بعضهم كانوا أتباعه في حياته، ولكن أثناء حياته – وإلى حدّ كبير في حياة تلاميذ المجيد ممزريتش – لم تكن هناك حركة حسيدية جماعية. وبعد وقت قصير من وفاته، توّج ابنه (ربي تسفي) بالنيابة عن والده، ولكن في عيد (الأسابيع)([18]) في سنة 1761م، يوم الذكرى الأولى لوالده، انتقلت قيادة الحركة الحسيدية لتلميذ (ربي موسى بن نحمان): ربي دوف بعر (المجيد ممزريتش) قائلاً: “الإلهية أخذت الالتزام على ظهرها، وذهبت إلى مزريتش”.
وبدأ الجيل الثاني للحسيديم للقيام بجهود كبيرة في سبيل نشـر هذه الفكرة الحسيدية بين اليهود. وكان هناك رسل من قبل (المجيد ممزريتش) يخرجون لنشـر الحركة الحسيدية بين اليهود في أرجاء شرق أوروبا (فولهينا، وغاليسيا، وروسيا البيضاء، وليتوانيا).
لقد اتخذ الربائيون موقفاً صارماً ومعادياً من الزوهار، وأنكروا تعاليمها الباطنية؛ بل وأمر الربائي (مائير بن سيمون) بحرق كتبها ومصنفاتها في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، باعتبارها مزيجاً مركّباً من الشعوذة والسحر والخرافات والدعوة إلى تناسخ الأرواح.
والكبالا (بالعبرية كابالا) هي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسّـر الحياة والكون والربانيات. بدأت عند اليهود، وبقيت حكراً عليهم لقرون طويلة، حتى أتى فلاسفة غربيون وطبّقوا مبادئها على الثقافة الغربية في ما يسمى العصـر الجديد (new age) بشكل عام، وهي فلسفة تفسّـر العلاقة بين الله اللامتغير والأبدي والسـرمدي، ويرمز له بعين سوف (بالعبرية)، وبين الكون المتهالك والمحدود، أي مخلوقات الله. لا تعتبر القبالة كدين، إذ إنها فلسفة تفسـر الباطنية في الدين، كما أن طقوسها لا تنفي القيام بالطقوس الدينية، لكن معتنقيها يعتقدون أن الإرشادات والطقوس الواردة في القبالة تساعد الشخص على تطوير نفسه ليفهم بواطن الدين، وبخاصة بواطن التوراة والتقاليد اليهودية.
يعتقد أتباعها أن تعاليم القبالة أقدم من التاريخ الذي نعلمه، وهي سابقة لكل الأديان والطرق الروحية التي نعرفها، وهي تشكل المخطط الأساسي لكل الإبداعات الإنسانية؛ من الفلسفة والدين والعلوم والفنون والأنظمة السياسية.
انبثقت الكبالا كشكل بدائي من الباطنية اليهودية في القرن الثاني عشـر الميلادي، في إسبانيا، وفي منطقة البروفانس بالتحديد، الواقعة في جنوب فرنسا، ثم أعيد تشكيلها بعد النهضة اليهودية في القرن السادس عشـر في فلسطين العثمانية، ثم تطوّرت في القرن العشـرين، فيما يسمّى بالتجديد اليهودي، وانتشـرت في أوساط روحانية غير يهودية، كما تلقت الاهتمام من الدوائر الأكاديمية.
استعملت كلمة (قبالة) العبرية بمعان مختلفة خلال فترة التاريخ اليهودي. تعود كلمة قبالة، أو كبالا، إلى الكلمة العبرية (قِبِلْ)، والتي تعني (استلام)، أو (استقبال)، أو (تلقّي). بشكل عام، تدل على القوانين الدينية والروحانية التي استلمها الأنبياء والكهنة اليهود على مر التاريخ. وللمفارقة، (قبالة) في اللغة العربية تعني “وثيقة يلتزم بها الإنسان لأداء عمل، أو دين، أو غير ذلك. أو عمل يلتزمه الإنسان”. وقد يبدو أن الكلمتين العربية والعبرية لهما نفس المعنى، لمشاركتهما نفس الجذور (قبل) في ما يسمى اللغات السامية. لهذا، من المستحسن تعريب المصطلح بالـ(قبالة)، بدلاً من الـ(كبالا)، كما أن هناك من عرّب الكلمة إلى (الكوبالة)، أو (الكبّالة)، أو (القوبالة).
وأول استعمال لجذر (قبل) كان في التوراة، إذ وردت خمس عشـرة مرة، وردت مرتين في (سفر الخروج) للدلالة على البساط الذي كان يغطي (تابوت العهد)، إلا أنها أخذت دلالات أخرى في أجزاء مختلفة من التوراة، مثل (مراسلة) في التوراة، و(معارضة) في الأنبياء، و(استقبال أو استلام) في الكتابات.
وخارج التوراة، كانت في البدء تستعمل للدلالة على القانون الشفهي (= يشيفاه)، أي التلمود([19])، الذي (استلهمه) اليهود بعد التدمير الثاني للمعبد (= هيكل سليمان) في القرن الأول الميلادي. وانتشـرت بين أعوام 150م وحتى 600م. ومنذ القرن الثاني عشـر الميلادي، أخذت الكلمة معناها المتداول اليوم، والذي تدل على التعاليم الروحية والباطنية التي استلمها الملهمون اليهود بعد ذلك ليؤلفوا (القبالة) (بالعبرية)، لتعني الباطنية الروحانية اليهودية.
إن الدور الذي قام به الدعاة اليهود في بث روح الثورة والتمرد، وإنشاء الجمعيات السـرية، وإثارة الحركات الهادمة، عظيم جداً، وإن كان من الصعب أن نعيّنه بالتحقيق، فمنذ أقدم العصور ترى أثر التعاليم اليهودية الفلسفية السـرية ظاهراً في معظم الحركات الثورية والسـرية. والمصدر الذي تجتمع فيه التقاليد اليهودية السرية إنما هو فلسفة الكابالا.
والكبالا هي مزيج من الفلسفة، والتعاليم الروحية، والشعوذة، والسحر، متعارف عند اليهود منذ أقدم العصور. وقد ظهر أثر تعاليمها واضحاً في المجتمعات الأوروبية، وبالأخص منذ القرن الثاني عشـر الميلادي، وخلاصة هذه التعاليم هي أن الله هو كائن مطلق، ولما كان هذا الكائن بشعر بوجوده، فهو ينفث نفسه إلى عالم الأرواح النقية، والملائكة، من طرق مختلفة، وإن روح الإنسان تنتقل من جسم إلى جسم حتى تعود في النهاية إلى الله، وتفنى فيه. وكان دعاة الكابالا يعلّقون أهمية كبرى على السحر والشعوذة، وأسرار الطلاسم والرموز والأرقام.
ويظهر أن أساطير الكبالا، وتعاليمها، ورموزها، كانت المنبع لمعظم الجمعيات السرية الغربية والهدامة، من:
- فرسان المعبد.
- البناء الحر (= الماسونية)، في وضع نظمها ورموزها.
- أخوة الشيطان.
- أصحاب القداس الأسود.
- طوائف السحرة على اختلاف طوائفهم وغاياتهم.
- جمعية المسممين، وغيرها من جمعيات الخفاء.
- طائفة الفرانكيين(= إخوان الشعلة).
- يهود الدونمة.
- الطائفة النورانية (= الأليومانيتي).
وكون اليهودية مبعث الروح الثورية على مَرّ العصور، وكون اليهود دعاة الثورة وقادة التفويض والهدم، ذلك ممّا يقرّه البحث التاريخي السليم. وإليك ما يقوله أحد كتاب اليهود الفرنسيين (برنار لازار) (1865 – 1903م)، في كتابه عن (معاداة السامية – معاداة اليهود)([20]): “إن لشكوى دعاة الخصومة السامية أساساً على ما يظهر، فاليهودي يضطرم بروح ثورية، وهو داعية للثورة، سواء شعر بذلك أو لم يشعر”، والواقع أن الدور الذي لعبه اليهود في الثورات والحركات الحديثة ظاهر لا سبيل إلى إنكاره، وبالبحث والاستعراض نرى أنه دور مزدوج، فهو يستند إلى المالية والخفاء معاً. ذلك أن اليهود منذ العصور الوسطى امتلكوا ناصية الشؤون المالية في معظم المجتمعات الأوربية، وجرّدوا عليها – في الوقت نفسه – سيلاً من ضروب السحر والخفاء، وأمدّوها بأقطاب المشعوذين والسحرة، وكانوا حيثما هبّت ريح الثورة الاجتماعية أو السياسية يبحثون من وراء ستار، ويميلون إلى الجانب الظافر، ليأخذوا نصيبهم من الأسلاب والغنيمة. وحينما كانت الشعوب النصـرانية تنهض للخروج على نظمها، كان الأحبار والفلاسفة والأساتذة والمشعوذون اليهود يأخذون بنصـرة الثوار، ويؤيّدونهم في وثباتهم الهادمة. وإذا كان اليهود في معظم هذه الثورات والحركات لا يضـرمون النار، ولا يثيرون العاصفة، فقد عرفوا دائماً كيف يسيّرونها لفائدتهم، وتحقيق غاياتهم”([21]).
في منتصف القرن السابع عشـر كانت التعاليم الروحية اليهودية قد نفذت إلى جميع أنحاء أوروبا، والظاهر أن تيار هذه التعاليم قد تسـرّب إلى أمم الغرب من شـرق أوروبا، فمنذ القرن السادس عشـر اجتمع اليهود واستقروا في (بولندا)، وظهر هنالك جماعة من السحرة والمشعوذين اليهود تعرف (الزاركيم)، أو جماعة (بعل شم)، والكلمة الأخيرة معناها (سيد الاسم)، يتصدّرها نظرية كابالية تزعم أن بعض اليهود الذين تتوفر فيهم شروط معيّنة من القدسية، يستطيعون أن يستخدموا الاسم الأعظم دون وازع([22]). و(البعل شم) هو شخص يمتلك هذه القوة، ويستخدمها في كتابة الطلاسم، ومخاطبة الأرواح، ومعالجة الأمراض، وغير ذلك. ثم غدت بولونيا، وبالأخص مقاطعة بودوليا، مركزاً للحركة الكبالية، التي تمخضت هناك عن سلسلة من فورات الخفاء والشعوذة المدهشة.
وفي سنة ١٦٦٦م اضطرب العالم اليهودي من أقصاه إلى أقصاه لظهور داعية يهودي يسمى (شبتاي تسفي)([23])(1626 – 1675م)، وهو ابن تاجر من مدينة أزمير (مدينة تركية، واقعة على ساحل بحر إيجة) يدعى (مردخاي)، زعم أنه هو المسيح المنتظر. وكانت فكرة المسيح المنتظر ذائعة عندئذ في المجتمع اليهودي، وكانت الأوساط اليهودية الرجعية تؤمن بقرب ظهور هذا المسيح، ولذلك صادفت دعوة (شبتاي) تأييداً كبيراً بين يهود فلسطين ومصـر وشرق أوروبا، بل أيّدها كثير من اليهود المتنوّرين، وأصحاب الأموال، لأغراض سياسية ومالية. وكان (شبتاي) متمكّناً من تعاليم الكبالا، عالماً بأسرارها ونظرياتها الروحية، بارعاً في ضروب الشعوذة، وقيل إنه كان يأتي الخوارق، وإن جلده كان ينضح المسك، وكان ينهمك في الاستحمام في البحر، ويعيش في حالة ذهول مستمر. وقد انقسم اليهود إزاء مزاعم شبتاي، الذي انتحل لنفسه لقب (ملك ملوك الأرض)، إلى قسمين: خصوم، وأنصار، فأمّا الخصوم، فهم الأحبار والدعاة، وكان هؤلاء يناصبونه العداء، ويكثرون من لعنه والحملة عليه. أمّا أولئك الذين استهوتهم دعوته، وآمنوا بمزاعمه وتعاليمه، فقد انقلبوا عليه حينما سخط منه السلطان العثماني (محمد الرابع) (1648- 1693م)، وطلب إليه أن يثبت دعواه بأن يستقبل السهام المسمومة بصدره، فارتدّ عن اليهودية فجأة، وزعم أنه اعتنق الإسلام، بيد أنه استمر يتقلّب في مزاعمه وتعاليمه إزاء المسلمين واليهود طوراً بعد طور، فيتظاهر أمام كل فريق بأنه من دينه وحزبه، وبتلك الوسيلة استطاع أن يغنم مؤازرة نفر من اليهود والمسلمين معاً. غير أن الأحبار اليهود خشوا من دعوته على تعاليم اليهودية، فسعوا به إلى السلطان، حتى أمر باعتقاله وسجنه في إحدى قلاع (بلغراد)، في منطقة البلقان شرق أوروبا، وهنالك توفي في سنة 1675م.
على أن تحطيم المسيح المنتظر لم يخمد من حماسة أنصاره، بل استمرت دعوة شبتاي في القرن الثامن عشـر، وأسفر نشاط المدرسة الكابالية عن فورة جديدة في (بولنده)، فظهر كثير من دعاة الزاركيم وبعل شم، وكان أشهر أولئك الدعاة (إسرائيل البدولي)، الذي أسس طائفة (الحسيديم) في سنة ١٧٤٠م. وكان إسرائيل يخاصم اليهودية الرحمية، ويرجع تعاليمه إلى (الزوهار)، بيد أنه لم يسلّم إطلاقاً بنظرية الكبالا في أن الكون هو صورة من صور الله، بل زعم أن الكون كله هو الله، وأن الشعر عنصر من عناصر الله، إذ ليس الشعر خبيثاً في ذاته، ولكن في علاقته بالإنسان.
وعلى ذلك، فليس للخطيئة وجود مادي، وكان إسرائيل بارعاً في ضروب السحر والشعوذة، فالتفّ حول دعوته كثير من اليهود الذين خرجوا على تعاليم التلمود وتقاليده الأخلاقية، ثم ظهر في أثره داعية آخر هو (هايلبرين)، المسمى (حويل بن أوري)، في (ساتانوف)، وعكف على مزاولة الشعوذة والخوارق باسم الله، وجمع حوله نفراً من الأنصار، استمروا بعد وفاته يستغلون سذاجة العامة حيناً من الدهر.
الجمعيات الكبالية في أوروبا:
لقد انبثقت عدة منظمات وجمعيات عن الكبالا اليهودية، وكانت من أشهر الجمعيات الكبالية طائفة الفرنكيين، الذين عرفوا أيضاً (بالزوهاريين)، أو أخوان الشعلة، لانتمائهم إلى الزوهار (كتاب الضوء)، ومؤسسها هو (يعقوب فرنك)([24])، وهو داعية من أمهر دعاة الكبالا، وأعلمهم بأسرارها وتعاليمها، جمع حوله في منتصف القرن الثامن عشـر في (بودوليا) (= إحدى مقاطعات أوكرانيا) جمهوراً كبيراً من الأنصار والدعاة، وعاش في بذخ شرقي هائل، لم يهتد أحد إلى حقيقة مصدره، وأسّس طائفته التي لبثت حيناً “تبثّ نظريات الإلحاد والهدم بواسطة جماعات سرية، تماثل في نظامها محافل البناء الماسونية”. وركّز الأحبار اليهود من الزوهاريين نشاطهم في هدم اليهودية، واشتدت الخصومة بين الفريقين، حتى أعلن الزوهاريون في النهاية خروجهم على اليهودية علناً، واعتنقوا النصـرانية، ومنهم (فرنك) نفسه، واتحدوا مع أسقف كامنيك على مقاومة الأحبار واليهودية.
غير أن ارتدادهم لم يكن إلا رياء وسبيلاً من سبل الهدم، خصوصاً وأن (فرنك) كان يذيع بواسطة دعاته اليهود في أرجاء الدولة العثمانية أنه اعتنق الإسلام، وعلى ذلك قبض عليه في (وارسو) بتهمة الارتداد الكاذب، ونشـر الاتحاد والكفر، وزج به إلى السجن حيناً، فلما أطلق سراحه، استمر في دعوته، وتجوّل في أواسط أوروبا مع ابنته (حواء)، التي استطاعت أن تؤثر في عقل الإمبراطورة (ماريا تريزا)([25]). غير أنه اتهم بالزندقة أيضاً، وأخرج من النمسا، فانتقل إلى ألمانيا، واستقر في (أوفنباخ)، بالقرب من فرنكفورت، وتسمّى بـ(البارون فون أوفنباخ)، واستأنف بذخه الطائل مما كان يرد إليه من هبات أنصاره والمعجبين به. وقد وصف المؤرخ (ملمان)، في كتابه (تاريخ اليهود)، بذخ فرنك فيما يلي :”كانت له حاشية من بضع مئات من الفتيان والفتيات اليهود ذوي الحسن الرائع، وكان يذاع أن صناديق الأموال تنهمر عليه في كل يوم، ولا سيما من بولندا، وكان يخرج كل يوم في موكب حافل ليقيم شعائره في العراء، في عربة تجرها جياد مطهمة، ويحرسه عشـرة أو اثنا عشـر فارساً يرتدون الثياب الموشاة بالذهب، وقد رفعوا الرماح، ووضعوا في قبعاتهم أهلة أو شموساً أو أقماراً … وكان أنصاره يعتقدون فيه الخلود، بيد أنه توفي في سنة ۱۷۹۱م، ودفن في بذخ يعدل بذخ حياته”([26]).
الشخصيات المتأثرة بالكبالا
إن البارون يعقوب فرنك (= فون أوفنباخ)، الذي مر معنا آنفاً، لم يكن مثلاً وحيداً من نوعه في أقطاب السحرة في القرن الثامن، فهناك شبه عجيب بينه وبين زميليه الشهيرين:
الأول: (الكونت سان جرمان)، وُلد الكونت ما بين سنة 1691 و1712م، حسب المؤرخين. كان مغامراً أوروبياً مهتماً بالعلوم والكيمياء والفنون، حقّق شهرة واسعة خلال القرن الثامن عشـر؛ حيث اعتبره أمير هيس (كاسل تشارلز) واحداً من أعظم الفلاسفة الذين عاشوا على الإطلاق. عرف (سان جيرمان) بالعديد من الأسماء، نظراً لعدم معرفة الناس اسمه الحقيقي، وهي ممارسات كانت معروفة خلال القرن الثامن عشـر بين أفراد العائلات المالكة والنبلاء. كان الهدف من حصوله على العديد من الأسماء هو تشتيت الناس، قصد عدم معرفة أصوله، لتظل ولادته وخلفيته غامضة. أقر (سان جيرمان) قبيل وفاته أنه ابن الأمير (فرانسيس الثاني راكوزي)، من مقاطعة ترانسيلفانيا([27]). كما اختلط اسمه تاريخياً بـ(كلود لويس)، الجنرال الفرنسـي الشهير، المعروف أيضا بـ(دي سان جيرمان). ولم يكشف (دي سان جيرمان)، طوال حياته، عن شخصيته الحقيقية، حتى لأولئك الذين وضع فيهم الثقة، كما لم تبدو عليه أي علامات في التقدم في السن، كما ذكرنا من قبل، حيث كان دائماً الرجل الأربعيني ذا البنية القوية، والقامة المتوسطة. كان (سان جيرمان) راوياً جيداً للقصص، كما اشتهر بمواهبه العديدة والرائعة، مثل صناعة الحلي، ودرايته الكاملة بالموسيقى والفنون، كما زود الناس بجرعات سماها بإكسيرالشباب، وهو محلول صنعه، زعم أنه يبقي الإنسان شاباً، ويقي من الشيخوخة. خالط (سان جيرمان) الطبقة الأرستقراطية الفرنسية، حيث طغت شهرته أرجاء باريس ما بين سنة 1750 و1760م كفيلسوف وعالم في الخيمياء. ويعتقد أنه كان جاسوساً للملك لويس الخامس عشـر، ابن الملك الفرنسـي الشهير لويس الرابع عشر، الذي اعتبر نفسه إله الشمس، إلا أن صداقته به تسببت له في العديد من المشاكل والعداوات داخل القصـر، والتي كادت أن تنهي حياته، ما جعله يفر إلى إنكلترا، ويختفي، حتى شوهد في روسيا سنة 1762م، وعاد بعدها إلى باريس فور تنصيب لويس السادس عشـر ملكاً لفرنسا، حيث توقع حدوث الثورة الفرنسية، ليتفاجأ بعدها بصدور قرار من حرس القصـر بالقبض عليه. اختفى سان جيرمان مرة أخرى بكل بساطة، ويقال إنه لجأ إلى (هيس كاسل)، حاكم النمسا في ذلك الوقت، كما قيل إنه كشف العديد من الأسرار له فيما يخص القصـر الفرنسي والملك الحاكم، ويقال إنه توفي عام 1784م دون أية وثيقة تثبت ذلك([28]).
الثاني: الكونت كاجليو سترو: ولد (كاجليو سترو) في إيطاليا، حيث توفي والده وهو طفل صغير، فقامت والدته بإرساله إلى منزل خاله ليعيش معه، لأن والدته كانت غير قادرة على الإنفاق عليه، فهرب (كاجليوسترو) من منزل خاله، فوجد نفسه في جزيرة مالطة، فأصبح راهباً من رهبان القديس يوحنا (تنظيم فرسان مالطة). وهو ذاك الساحر اليهودي أحد أبناء الكابالا، الذي قام بتأسيس طقس ممفيس المصـري من أجل إحياء عبادة ايزيس، وهو الطقس الذي تكونت منه معظم الحركات السـرية والمحافل الماسونية. وكان على رأسها (منظمة النورانيين- الايلوميناتي)، لصاحبها (آدم وايسهاوبت)([29])، حيث إن كتب الحكمة السـرية، التي كوّن (آدم وايسهاوبت) منظمته منها، أخذت من تاجر يهودي يدعي كيملر، كان أحد أبناء الكبالا، وصديقاً لكاجليو سترو، واقتبس منه طقس ممفيس المصـري، ومزج فيه تعاليم حركة الحشاشين الإسماعيلية الباطنية، وأفكار المجوس عبدة النار، فالتقى بآدم وايسهاوبت، وأخذ آدم كل تعاليم كيملر لينشـىء منها منظمته المعروفة، كما أن طقس ممفيس المصـري، الذي أسسه كاجيلو سترو، كانت تقوم عليه كل المحافل الماسونية التي كانت مركزا للحركة الثورية في فرنسا إبان الثورة الفرنسية، ومنها حركة اليعاقبة التي كان ضمن أعضائها: روبسبير([30])، وجورج دانتون([31])، ومارا، والتي نسب إليها معظم المجازر والفوضى والخراب والتدمير وسفك الدماء أثناء الثورة وبعدها. وكان كاجيلوسترو هو اليهودي (جوزيف بالسامو) صاحب المطبعة وآلة الدعاية التي كانت تنشـر الأكاذيب والإشاعات عن أسـرة آل بوربون، وخاصة الملكة (ماري انطوانيت)، وهو الذي لطّخ سمعتها، وأشاع عنها كذباً وبهتاناً ممارسة الفجور؛ وذلك حتى يكرهها الشعب، استعداداً لإشعال الثورة الفرنسية، وهو من دبّر لها قضية (العقد الماسي) المشهورة. كما أن (كاجليو سترو) – كما يقول (البرت بايك)([32]) – هو صاحب فكرة توحيد الحركات السـرية في فرنسا إبّان الثورة الفرنسية، بعد عقد سلسلة من المؤتمرات. وقد أرسل رسالة إلى ماسون محفل انكلترا الأعظم، يقول لهم فيها: “لقد حان الوقت لبدء العمل من أجل إعادة بناء هيكل الإله الخالد”، وبالفعل زار (كاجليو سترو) مصـر، قبل اندلاع الثورة الفرنسية، ثم زار القدس، لمعاينة موضع الهيكل وجبله، لكنه تعرّض لمحاكم التفتيش هناك، واتهم بممارسة الأعمال السحرية، وبكونه ماسونياً، وتم الحكم عليه بالإعدام. لكن البابا غيّر حكمه إلى السجن حتى الموت([33]).
وقد كان كلّاً منهم يدّعي القدرة على الخوارق، ويتفن في ضروب الشعوذة، ويعيش في بذخ عظيم لا يعلم مصدره، والأول يهودي بلا ريب، أما زميلاه، فقيل أنهما يهوديان أيضاً، وكلهم من دعاة المدرسة الكابالية، ومن الراسخين في تعاليمها وأسرارها، وكلهم أنفق أعواماً طويلة في ألمانيا. ثم إن (كاجليوسترو) انضم إلى جمعية (الرقابة الصارمة)، في كهف خفي يبعد حوالي عشـرة كيلومترات عن (أوفنباخ)، حيث كان يقيم (فرنك)، ويقال فوق ذلك أنه زار في شبابه بولندا، حيث ظهر فرنك. أفليس لنا بعد ذلك أن نستنتج أن أولئك الدعاة الذين عاشوا في عصـر واحد، وبأسلوب واحد، كانت تربطهم رابطة خفية؟ أليس من ضروب المصادفة المحضة أن يظهر السحرة الكباليون في بولندا وألمانيا، في نفس الوقت الذي يظهر فيه السحرة في فرنسا؟ وأليس من المصادفة أيضاً أن يؤسس (فرنك) طائفة الزوهاريين (إخوان الشعلة) في سنة ١٧٥٥م، أي بعد عام واحد من تأسيس(مارتين باسكو) لطائفة (الشعلة الفرنسية) في سنة ١٧٥٤م؟ أليس من المستطاع أن تعرف المصدر الذي قذف بسيل السحرة هذا إلى غرب أوربا، في طوائف المشعوذين التي أسسها (هايلبرين) و(إسرائيل البدولي) و(فرنك)، أو بعبارة أخرى في مهاد الكبالا اليهودية؟ أضف إلى ذلك أن أكبر داعية من دعاة الكبالا، وأخوة بعل، وهو المعروف بـ(زعيم الشعب اليهودي بأسره)، كان طبقاً للأدلة والوثائق التاريخية عضواً في جمعية (البناء الحر الماسونية)، ومتصلاً بزعماء الجمعيات السـرية، وأنه يهودي لا سبيل إلى الريب في يهوديته، هذا الداعية الغريب هو (حاييم صموئيل يعقوب فوك)، المعروف بالدكتور فوك، أو دي فوك، أو فوكون. وقد ولد في بودوليا (= إحدى مقاطعات أوكرانيا) في بدء القرن الثامن عشـر، واتصل بالزوهاربين، ولبث حيناً زاول ضروب السحر والشعوذة في بودوليا وألمانيا، وكان يزعم أنه ذو قدرة خفية، وأنه يستطيع اكتشاف الكنوز الدفيئة. ويروي المؤرخ (ارشنهولتس) أنه شهد (فوك) يأتي أعمالاً خارقة في مدينة (براونشفايك)، الواقعة في مقاطعة سكسونيا الجنوبية في ألمانيا، ينسبها إلى تبحّره في الكيمياء، ثم اضطهد (فوك) وطورد في مقاطعة (وستفاليا)، وحكم عليه بالحرق لاتهامه بالسحر، ففر إلى إنكلترا، وهنالك استقبل بالترحاب، وطار صيته، وأذيعت عن قدرته أغرب الروايات، من ذلك ما قيل من أنه يستطيع أن يبقي شمعة صغيرة تضـيء في مدى أسابيع، وأنه يستطيع بتلاوة عزيمة أن يملأ قبواً من الفحم، وأن أي حلية يرهنها لدى المقرض تنسل ثانية إلى منزله، وأنه أنقذ البيعة اليهودية الكبرى من فتك النار، حينما شبّت فيها النيران، بأن كتب أربعة أحرف عبرية على أعمدة بابها([34]).
وفيما بعد ظهر (فوك) في لندن في سنة ١٧٤٢م معدماً لا مورد له، بيد أنه ما لبث أن أثرى فجأة، وبدت عليه أمارات البذخ الطائل، فاتخذ له قصـراً فخماً أقام فيه بيعة خاصة، وازدانت موائده بآنية الذهب والفضة. وفي مذكراته التي ما زالت باقية، ما يفيد أنه كان يخرج من قصـره إلى (غابة أبنج)، وهنالك تعقد اجتماعات خفية في قاعة أعدت لذلك، وتدفن صناديق من الذهب. وقيل أيضاً أنه كان يركب عربته ذات مرة، فانفصلت إحدى عجلاتها، فارتاع السائق، ولكن (فوك) أمره أن يسوق مطمئناً، واستمرت العربة في سيرها، والعجلة المنفصلة تتبعها حتى الغابة. والروايات عن خوارق (فوك)، وقدراته العجيبة، كثيرة لا نهاية لها. وكان مهيباً مبجلاً من المجتمع اليهودي وأحباره، ولكن شهرته أثارت نقمة يهودي يدعى (امدن)، هجاه واتهمه بأنه من أنصار المسيح الكاذب، وأنه يستغل سذاجة المؤمنين، وكتب عنه إلى يهود بولندا، ما يأتي: “لقد نال فوك مركزه بإدعائه الوقوف على أسرار الكابالا، وزعمه القدرة على اكتشاف الكنوز، وقد خدع بأكاذيبه ضابطاً غنياً، جرّده من ثروته. ويهرع إليه النصارى الأغنياء، ويغدقون أموالهم عليه، ويغدق هو المال من جهته على دعاة طائفته، لكي يذيعوا ذكره وشهرته”([35]).
ولكن في الظاهر فإن (فوك) كان حذراً في علائقه مع النصارى الباحثين وراء الأسرار الخفية، إذ يقال إنه أنكر معرفته لتركيب الإكسير الذهبي من أمير ملكي سأله الإرشاد عن تركيبه. وقد نشـر في إحدى صحف هذا العصـر سنة ١٧٦٢م أن يهودياً متنصّـراً هو أعظم وأخبث محتال في العالم، لذلك فقد سجن ونفي من جميع الولايات الألمانية. ويقول الدكتور أدلر إن هذا اليهودي هو (فوك) بعينه، بيد أنه ليس ثمة ما يثبت أن فوك كان من دعاة السحر الأسود. وتوفي (فوك) في أبريل / نيسان سنة ۱۷۸۲م، واحتفل بدفنه احتفالاً فخماً في إحدى مقابر لندن. ومما نقش على قبره: “هنا يثوي الشيخ الشـريف، وهو رجل عظيم قدم من المشرق، وهو حكيم متبحر، وداعية كابالي … وقد طار صيته إلى أقاصي الأنحاء والجزر النائية …”.
هذه المحادثات تلقى مزيداً من الضوء على المؤثرات الخفية التي كانت تعمل من وراء البناء الحر، ويوصف فيها عرض البناء الحر بأنه العمل على إحداث نظام لا تكون الإنسانية فيه ضـرورية، ويرمز فيها (ليستج) لنفسه باسم (ارفت)، ويشـرح (فوك) فكرته في إنشاء دولة عامة، أو بالحري دول متحدة: “لا تفرّق فيها بين الناس فوارق قومية أو اجتماعية أو دينية، وفيها ينعم الإنسان بأوفر قسط من المساواة. بيد أن أهم ما يلفت النظر فيها هو تكرار إشارة فوك إلى أنه يوجد ثمة وراء البناء الحر شيء أعرق وأعظم في نهاياته من جمعية البناء الحر، وأن البنائين الأحرار المحدثين لا يعنون به في الغالب. ثم يجيب (أرنست)، حينما يشكو من عدم وجود المساواة الحقة في المحافل، بالنظر لإقصاء اليهود عنها، أنه – أي فوك – لا يشهدها، وأن البناء الحر الحقيقي لا يبدو في أشكال ظاهرة، وأن المحفل؛ في علاقته بالنسبة للبناء الحر، كالكنيسة في علاقتها مع الإيمان، أو بعبارة أخرى: إن الدعاة الحقيقيين لا يظهرون في الميدان. والظاهر من تأمّل هذه الشـروح أن فكرة الدولة العامة هي المثل الذي اتّخذه اللاحكوميون المحدثون قاعدةً لنظمهم في تغيير الحياة البشـرية، وأنها هي الجمهورية العامة التي غدت شعار الاشتراكية الدولية، والشيوعية، ودعاة الثورة العالمية”.
ومن جهته، يقول الكاتب الفرنسـي المشهور فولتير: كان اليهود هم الذين يلتجأ إليهم عادة في تأدية الشؤون السحرية، وهذا الوهم القديم يرجع إلى أسـرار الكبالا (القبالة)، التي يزعم اليهود أنهم وحدهم يملكون أسـرارها.
ويقول (جيو جينودى موسو): إني لأخجل من البحث في الموضوعات القذرة الواردة في الكتاب ( الكبالا=القبالة)، والتي سيطالعها النبلاء… إن القبالة ترتعد حتى فرائص عزرائيل، فالعلوم الشـريرة والمشؤومة تتسرب إلى خارج صفحاته كسمّ الثعبان الزعاف”.
وعلى أي حال، فإن كتب اليهود من التلمود والكبالا كانت قد منعت في أوروبا، وينقل الأب (رانايتس) عن الطبعة الأخيرة من فهرس أكسبور – جاتوريوس، ما يلي: “بأمر أبينا السيد المقدس ليو الثالث عشـر (1878 – 1903م)، أُصدر في سنة 1887م ما يلي: التلمود، والكتب اليهودية الأخرى، حُرِمَّت للأسباب الآتية …، إنَّ سيدنا المقدس البابا كليمنت الثامن، في أمره ضد الكتابات غير التقيّة، والكتب اليهودية، الصادر في روما سنة 1592م، حرَّمها، وأدانَّها… وكان واضحاً ومفصَّلاً ونظامياً وذا إرادة، حين قال: إن التلمودية العاقَّة والكبَّالة، وغيرها من كتب اليهود الشائنة، هي مُدانة بكل معنى الكلمة، ويجب أن تبقى دائماً مُدانة ومحرَّمة، وأوامره عن هذه الكتب، يجب أن تظل ثابتة منيعة لا تنتهك حرمتها([36]).
وفي العصـر الحديث، يظهر أثر القبالاه الواضح في كتابات (هيلينا بلافاتسكي)، مؤسسة جمعية الحكمة الإلهية، و(أليستر كراولي)، مؤسس جمعية الفجر الذهبي، و(ألبرت بايك)، الأستاذ الأعظم للمحافل الماسونية في أميركا بمنتصف القرن العشـرين، حيث مارسوا جميعاً السحر بدرجات مختلفة.
كما يظهر بوضوح تغلغل الكبالا في الجمعيات السـرية عن طريق عبادة كهنتها للشيطان، الذي بات يُعرف باسم (لوسيفر)، وهي كلمة لاتينية وردت في الكتاب المقدس، وتعني حامل الضياء. ولعل الماسوني الأمريكي (ألبرت بايك) هو أكثر هؤلاء وضوحاً في الكشف عن ارتباط الكبالا والجمعيات السـرية بالشيطان، وعبادتها له، فيقول في كتابه “الأخلاق والعقيدة” Morals and Dogma إن “الاسم الحقيقي للشيطان، كما يقول الكباليون، هو نقيض يهوه (الرب عند اليهود Yahveh)؛ لأن الشيطان ليس إلهاً أسود، بل هو نقيض الربGod ؛ الشيطان هو تجسيد للإلحاد والوثنية. وللمبتدئين، هو ليس شخصاً، بل قوة خُلقت لأجل الخير، لكنها قد تخدم الشر، إنه أداة الحرية والإرادة الحرة”([37]).
[1]– ومن صور هذه المعاناة التي كانوا يمارسونها: اختيار الصوم حتى الموت والهلاك، والتجرد عن الملابس ودفن أنفسهم في حفرة حتى الرقاب، أو صبّ الشمع الحار على الجسم، ووخز الظهر، ثم الضـرب عليه بالسياط. انظر: جعفر هادي حسن، فرقة الدونمة بين اليهودية والإسلام (مؤسسة الفجر، بیروت- لندن ١٩٨۷)، ص ٥٥-٥٦ .
[2] – موقع حكمة الكبالا.
[3] – القبالاه (الكابالا)، احمد دعدوش، موسوعة السبيل، نقلاً عن موقع (حكمة الكابالا).
[4] – سفر حزقيال: 1:1.
[5] – عرفان عبد الحميد فتاح، اليهودية عرض تاريخي والحركات الحديثة في اليهودية (دار البيارق – دار عقار، بيروت – عمان، 1417هـ – 1997م)، ص115.
[6]– المرجع نفسه، ص116.
[7]– عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، القاهرة، دار الشروق، المجلد الثاني، ص39 – 40.
[8] – القبالاه، موسوعة السبيل، احمد دعدوش المشرف على موقع السبيل، 42/4/2017م
[9] – هاينس هالم، الغنوصية في الإسلام، ترجمة: رائد الباش، دار الجمل، ألمانيا، 2003م، ص7 – 11.
[10] – ويذهب المتخصصون في أدبيات الكبالا بأن موسى الليوني القرطبي قد لفّق مادة الزوهار من مصادر متباينة ومتنافرة، ولهذا جاءت الموسوعة خلواً من النسقية والترتيب، فالموضوع الواحد قد يتكرّر في أكثر من موضع ومناسبة فيها، وأنه إنما قصد من نسبة الزوهار إلى الراباي سيمون بن يوخاي، إضفاء الشـرعية التاريخية عليه، وفرض سعر باهظ ثمناً لنسخه. أما المشدودون إلى تعاليم القبالا، فيردّون هذه الدعوى، ويقرّرون صحة نسبته التاريخية. انظر: (آلن أونترمان).
[11] – باركوخبا: شمعون بار كوخبا (ابن الكوكب) كان يهودياً قاد ثورة ضد الإمبراطورية الرومانية (عرفت باسم ثورة بار كوخبا)، سنة 132-136 ب.م، في محاولة لتأسيس دولة يهودية مستقلة في فلسطين. تمكن باركوخبا في البداية من دحر الرومان، وأسس دولة مستقلة استمرت ثلاث سنوات، حتى تمكن الرومان من تدمير مملكته، وقتله، سنة135م. وباركوخبا اسم يتكرر في الكتابات الصهيونية باعتباره نموذج البطل اليهودي الذي يدافع عن الهوية اليهودية، ويتمرد ضد حكم الأغيار (غير اليهود)، ولكن تمرده كان ضرباً من ضروب الانتحار، فلم يكن هناك أي احتمال للانتصار على الرومان بقيادة الإمبراطور هادريان، وهو ما يربط بينه وبين أساطير مماثلة.
[12] -هادريان: كان هادريان هو إمبراطور روما في الفترة من 10 أغسطس / آب117م، إلى 10 يوليو/ تموز 138م، وقد سبقه الإمبراطور تراجان Trajan، ولحقه الإمبراطور أنطونيوس بيوس Antoninus Pius. وقد ولد في 24 يناير 76 م.، وكان والده ذو رتبة عاليه (وهو ابن عم أو ابن خال تراجان). وتزوج من فيبيا سابينا Vibia Sabina من نسل تراجان، وبعدما مات الأخير أقرَّت أرملته بأنه أوصى بهادريان إمبراطورًا يلحقه. ساد السلام في عهده، ولم يعكّره إلا ثورة قام بها اليهود في فلسطين بقيادة بار كوخبا Bar Kochba ت(132-135م)، وتمّ أخيراً قمعها بحضور هادريان الذي قاد الجيوش الرومانية، وقُتِل عدد كبير من اليهود الذين مُنعوا بعدها من دخول مدينة القدس، التي حملت اسم أيليا حتى الفتح الإسلامي. كما أنه تم تدمير مدينة بيت لحم على يد هادريان، وذلك إبّان ثورة بار كوخبا Bar Kokhba revolt، المارة الذكر، وقام بتحويل المنطقة المسيحية إلى مكان للإله أدونيس اليوناني Adonis، إلى أن أعادت بناءها القديسة هيلانة الملكة؛ والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير. وقد أعاد هادريان بناء البانثيون Pantheon في روما، كما بنى معبد الآلهة فينوس وروما Temple of Venus and Roma. وفي مصر قيل أنه بنى معبد السرابيوم Serapeum of Alexandria في الإسكندرية (في منطقة تل عمود السواري)، والذي اكتُشِف عام 1943م. (ويُقال أيضًا أن المعبد من بناء بطليموس الأول، أو بطليموس الثالث (إيورجتيس الأول)، ولكنه في حياته الأخيرة بُليَ بمرض مزمن وثورات، بخلاف سوء علاقته بزوجته، وعدم إنجابه أي أبناء، فقام بتبنّي (أنطونيوس بيوس) الذي خلفه في الحكم.
[13] – ثمة مظاهر في أدب السلوك عند المشدودين إلى تعاليم القبالا والزوهار شبيهة بآداب السلوك الصوفية في الإسلام، مثل جلوس المريد على ركبتيه بين يدي المرشد الروحي أو الشيخ، والإنشاد والسماع، والتكفير عن الذنوب والخطايا Self-imposed Suffering بإدامة ملامة الذات وحملها ألواناً من المعاناة.
[14]– صفد: تعتبر مدينة صفد إحدى مدن فلسطين التاريخيّة التي تأسست على يد الكنعانيين، حسبما أثبته علماء الآثار، والواقعة على الجهة الشمالية من فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، والتي تبعد حوالي 134كم شمال مدينة القدس، وتشـرف على بحيرة طبريا، ومرج بيسان، الواقعان على الجنوب الشـرقي منها، وعلى جبل الجرمق من الغرب. كما تعد من أكثر مدن الدولة ارتفاعاً عن مستوى سطح البحر، حيث يصل ارتفاعها إلى 900م تقريباً، وتبلغ مساحة هذه المدينة 29.248كم²، ويقطنها ما يقارب 28.500 نسمة، حسب إحصائيّات 2006م. وبسبب موقع المدينة الاستراتيجي حرصت جميع الدول المستعمرة على السيطرة عليها، وذلك نتيجة وقوعها على الطريق الواصل إلى دمشق من جهة الشمال، وكونها عاصمة للجليل في بعض الأحيان، بالإضافة إلى الأهميّة التجاريّة للمدينة، حيث كانت في القديم إحدى محطات البريد بين الشام ومصـر. ويرجع تاريخ تقديس المدينة من قبل اليهود إلى القرن السادس عشـر الميلادي، ذلك أنه في تلك الفترة تم طرد اليهود من إسبانيا، فهرب عدد كبير منهم إلى المغرب ومصـر وفلسطين. وكان الكثير من يهود إسبانيا يعتنقون مذهباً روحياً يُعرف بالكبالا، وهو مذهب يعتمد على مجموعة من التفسيرات والتأويلات الباطنية والصوفية اليهودية، هؤلاء استقر الكثير منهم في مدينة صفد تحديداً، حيث كونوا مجتمعاً يهودياً مغلقاً ومنعزلاً عما يحيط بهم من مؤثرات إسلامية أو مسيحية، مما خلق مناخاً مناسباً لظهور عدد من العلماء والمفكرين الذين عملوا على تطوير مذهبهم، ولتصبح المدينة مركزاً للكبالا.
[15]– هرباً من موجة الاضطهاد وملاحقات محاكم التفتيش في إسبانيا، بعد زوال السيادة الإسلامية، اضطر جَمْعُ من يهود السفارديم إلى الهجرة إلى فلسطين والإقامة بمدينة صفد، آملين في الخلاص وانتظار مجيء المخلص المنقذ. وفي حلقات هؤلاء بلغت تعاليم الزوهار ذراها، وذلك في المدونة الموسوعية التي ألّفها موسى القرطبي (١٥٢٢-۱۵۷۰) والموسومة بـ : الجنة Pardes»، وكذا في كتابات إسحق لوريا الأشكنازي الملقب بالأسد (١٥١٤-١٥٧٢). وتأسيساً على تعاليم الزوهار، وأدبيات القبالا الصوفية، قام إسرائيل بن اليعازر (المعروف بـ إسرائيل بعل شم توف Baal Shem Tov – (۱۰) بتدشين حركة الحاسيديم الصوفية، التي انتشـرت سراعاً انتشار النار في الهشيم، في أوكرانيا وبولندة، بل وفي أوساط اليهود في الشتات عموماً، وذلك إثر المذبحة الجماعية والتصفية العرقية التي نفذها Chemielnicki بيهود بولندة عام 1648م، مما ساعد أيضاً على ظهور مدعي المهدوية شبثاي زيفي عام 1665م .
[16]– قام مارتن بوبر بجمع التعاليم المأثورة لزعماء حركة الحاسيديم الصوفية وصاغها في لغة شعرية جميلة، مما سَبَّبَ إحياء الحركة مجدداً، وانتشار نزعتها الصوفية- الفلسفية:
London – : ، Buber, M: Tales of Hasidin
[17] – جبال الكربات: سلسة جبال الكارپات (Munții Carpați)) هي سلسة جبال في شرق أوروبا تمتد في 7 دول أوروبية، تبتدأ فى (براتيسلافا) سلوفاكيا، ومروراً ببولندا وتشيكيا وأوكرانيا والمجر وصربيا، وتنتهي عند (أورشوفا) في (رومانيا) الواقعة على نهر الدانوب، على شكل هلال طوله 1500 كيلو متر، ويصل بين جبال الألب في وسط أوروبا وجبال البلقان في جنوبها. وجبال الكاربات مشهورة بالمنتجعات السياحية والرياضات الشتوية، وينبع منها أنهار كثيرة، أهمها: نهر الدنيستير، ونهر الفيستولا، اللذان يصبّان في البحر الأسود.
[18] – عيد الأسابيع: شافوعوت (وبالعبرية: شبوعوت)، وتعني أسابيع، ويصادف اليوم السادس من شهر سيفان على التقويم العبري (ويصادف في مايو أو يونيو)، ويأتي بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح اليهودي، ومن هنا جاءت تسميته عيد الأسابيع، هو أحد أعياد الحج، يحتفل فيه بباكورة الفاكهة، وبنزول التوراة على اليهود، كانت تقدم الباكورة إلى الهيكل (أي هيكل سليمان)، أما الآن فتقدم إلى الكنيس، ويزين بأغصان خضـر، ثم عمد اليهود إلى تقديم باكورة الثمار إلى الصندوق القومي اليهودي. ولأن التوراة نزلت في عيد الأسابيع على طور سيناء، لذلك على الأولاد أن يبدأوا تعلّمهم للعبرية فيه. وتقول الروايات إن داود ولد ومات في عيد الأسابيع، لذا جرت العادة أن يتلى سفر المزامير في اليوم الثاني منه. ويحج اليهود الى جبل صهيون لزعمهم أن داود مدفون فيه، كما يشعل بعضهم مئة وخمسين شمعة في الكنيس رمزاً لعدد سفر المزامير، وتغنى فيه الأناشيد والمزامير، وبخاصة قصيدة تدعى (أكاداموت)، وهي قصيدة باللغة الآرامية عُرفت في القرن الحادي عشر.
[19] – التلمود: التَّلْمُودُ هو النص المركزي لليهودية الحاخامية، والمصدر الأوّل للشـريعة الدينية اليهودية (الهلاخة) واللاهوت اليهودي. قبل مجيء الحداثة، كان التلمود هو الكتاب المحوري للحياة الثقافية في كل المجتمعات اليهودية، وكان مؤسّساً “لكل الفكر والأمل اليهودي”، و”هاديًا في الحياة اليومية” لليهود. يشير مصطلح (التلمود) إذا أُطلق إلى مجموعة من الكتابات تسمّى التلمود البابلي، ولكن مجموعة أقدم من الكتابات كانت تعرف باسم التلمود المقدسي (=الأورشليمي). قد يسمّى أيضًا تقليديًّا (شاس)، وهو اختصار عبري لكلمة (شيشا سداريم)، أو (الأوامر الستة) للمشناة. للتلمود مكوّنان رئيسيان: المشناة (كُتبت نحو عام 200 م)، وهي خلاصة للتوراة الشفهية عند اليهودية الحاخامية، والجمارة (كُتبت نحو عام 500 م)، وهي توضيح للمشناة والكتابات التانيمية الأخرى التي تناقش مواضيع أخرى وتفسـّر الكتاب العبري تفسيرًا واسعًا. قد تدلّ كلمة التلمود على الجمارة وحدها، أو على المشناة والجمارة معًا. يتألّف التلمود كلّه من 63 مقالة، وفي الطبعة النظامية، المسمّاة فيلنا شاس، 2,711 ورقة ذات وجهين. النص مكتوب بالعبرية المشنوية والآرامية البابلية اليهودية، وفيه تعاليم آلاف الحاخامات وآراؤهم (يعود بعضهم إلى ما قبل الفترة الشائعة إلى القرن الخامس) في مواضيع شتى، منها الشـريعة والأخلاق اليهودية والفلسفة والأعراف والتاريخ والفلكلور ومواضيع كثيرة أخرى. التلمود أساس كل الهيئات في الشريعة اليهودية، ويُستدَلّ بنصوصه كثيراً في أدبيات الحاخامات.
[20] – معاداة السامية: تعبير يقصد به عداء الشعوب الآرية لليهود، ومقاومتهم لهم، وهو تعبير خاطىء في الواقع، لأن اليهود ليسوا وحدهم الساميين، بل يدخل معهم العرب، وغيرهم من قبائل سام الاثني عشر، بيد أنه تستعمل اليوم للدلالة على كل من يعادي اليهود من شعوب العالم.
[21]– محمد عبد الله عنان، تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، دار الهلال، 1926م، ص 117.
[23] – شبتاي تسفي: (1626 -1675م) يهودي إسباني الأصل، عثماني المولد والنشأة، وفي سنة (1648) م أعلن أنه مسيح بني إسرائيل ومخلّصهم الموعود، واسمه الحقيقي (موردخاي زيفي)، وعرف بين الأتراك باسم (قرامنتشته). استفحل خطر (شبتاي)، فاعتقلته السلطات العثمانية، وناقشه العلماء في ادعاءاته، ولما عرف أنه تقرر قتله؛ أظهر رغبته في الإسلام، وتسمّى باسم محمد أفندي، وأصّل دعوته الهدامة من موقعه الجديد كمسلم وكرئيس للحجاب، وأمر أتباعه بأن يظهروا الإسلام ويبقوا على يهوديتهم في الباطن. طلب من الدولة العثمانية السماح له بالدعوة في صفوف اليهود، فسمحت له بذلك، فعمل بكل خبث، واستفاد من هذه الفرصة العظيمة للنيل من الإسلام، بعد أن درس (تسفي) التوراة، وأصبح حاخاماً كما أرادت له أمّه. استغرق في دراسة كتابات ما يعرف بالكبّالة (معتقدات وتعاليم روحانية فلسفية تعتمد التفسير الباطني للتوراة)، وساعدته شخصيته القوية على جذب عدد من التلاميذ حوله، حتى ادعى أنه المسيح المنتظر وهو في ريعان شبابه بعد أن بلغ 22 ربيعاً.. أعلن (تسفي) بطلان النواميس والشـريعة المكتوبة والشفوية اليهودية، وطلب أن تزف إليه التوراة باعتباره متزوجاً منها فقط، لأنها “عروس الإله” كما ذكر. وكما كان مثيراً بزواجه من التوراة، كان كذلك في زواجه الحقيقي، فقد تعرّف على فتاة بولندية اسمها سارة، سيئة السمعة، وكانت تدّعي أن الإله أعطاها رخصة لمعاشرة من تريده من الرجال، إلى أن يظهر (المسيح) ويتزوجها، وحينما سمع دعواها زعم أنه أوحي إليه بالزواج منها، وجازت حيلته على كثير من أتباعه البسطاء.
وأثارت دعوته أنه (المسيح المنتظر) الحاخامات في مسقط رأسه (سميرنا)(= أزمير الحالية)، كما كانت تسمى قديماً، فحاربوه واتهموه بالضلالة، وجردوه من رتَبه الدينية، فولى وجهه شطر (سالونيك) (مدينة تقع في اليونان)، التي كانت تحتضن أيضاً جالية يهودية كبيرة، وكانت مركزاً لرموز الكبالة. اتضح للحكومة بعد أكثر من (10) سنوات أن إسلام شبتاي كان خدعة، فنفته الدولة إلى (ألبانيا)، ومات بها. أطلق الأتراك على أتباع هذا المذهب الدونمة، وهي مشتقة من المصدر التركي دونمك، بمعنى العودة والرجوع.
[24] – الفرنكيون: فرقة حلولية قالوا إن (يعقوب فرانك) (1726 – 1791م) أو (فرنيك السفاردي)، هو المهدي المنتظر، الذي عندهم هو المسيح المخلّص، وأن روح النبي يعقوب (= عليه السلام) قد حلت فيه، ليكون عمله وعمل الأنبياء إبراهيم وإسحق وشبتاي تسفي، وباروخيا روسي. وقد توجّه فرانك بدعوته (للمؤمنين)، أتباع شبتاي تسفي. وفرقته مبطلة وإباحية، فقد قال إنه ضد التلمود، وأبطل توراة موسى، لأنه بمجيء المسيح المخلص ترتفع الخطيئة، وتسقط الشـريعة التي تستلزمها، ومن ثم تستباح المحرمات. ونساء الفرنكية لذلك على المشاع، وهم عدميون ينكرون البعث والحساب، لأنه لا حساب مع سقوط الشـريعة. وكان فرانك يحب اللون الأحمر، ومن أجل ذلك فاللون الأحمر هو لون الفرنكية المفضل، والله عندهم ثلاثة في واحد، كما عند النصارى، وفرانك ادعى النصـرانية، كسلفه شبتاي تسفي، الذي ادّعى الإسلام؛ ليقوضا الإسلام والنصـرانية من داخل المجتمعات المسلمة والنصرانية، لأنه في العصر المسيحاني لا ينبغي أن توجد إلا ديانة واحدة. ينظر: عبدالمنعم الحفني، موسوعة فلاسفة ومتصوفة اليهودية، القاهرة، مكتبة مدبولي، ص 150 – 151.
[25] – ماريا تيريزا (1717 – 1780م) إمبراطورة رومانية مقدسة القرينة، وبحكم القانون أصبحت ملكة للمجر وبوهيميا، كانت ذات نفوذ قوي في الشؤون الأوروبية، وواحدة من أحكم وأقدر الحكام في تاريخ النمسا، وقامت بمساعدة مستشارها شديد الذكاء ورئيس الوزراء الأمير (كونيتن) بإدارة الشؤون الخارجية بمهارة. وقد عملت إصلاحاتها الاقتصادية على زيادة رفاهية إمبراطوريتها، وكان لها 16 من الأبناء والبنات، كانت إحداهنّ ماري أنطوانيت ملكة فرنسا بزواجها من الملك لويس السادس عشر.
[26]– محمد عبدالله عنان، عصـر الخفاء البارون فون أوفنباخ داعية ومغامر ومشعوذ، مجلة الرسالة، القاهرة، العدد 141، 22 ذي الحجة 1354هـ، ص408 – 409.
[27] – ترانسيلفانيا: ترانسيلفانيا هي المنطقة التاريخية الواقعة في وسط وشمال غرب رومانيا. كانت ترانسيلفانيا جزءًا من المملكة الداقية (من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد)، وداسيا الرومانية (من القرن الثاني إلى الثالث)، وإمبراطورية الهون (من القرن الرابع إلى الخامس الميلاديين)، ومملكة الغبيديون (من القرن الخامس إلى السادس الميلاديين)، وخاقانية الآفار (من القرن السادس إلى التاسع الميلاديين)، والإمبراطورية البلغارية الأولى في القرن التاسع. وفي نهاية القرن التاسع الميلادي، غزا المجريون الجزء الغربي من ترانسيلفانيا، وأصبحت لاحقًا جزءًا من مملكة المجر الناشئة في عام 1000م. انضمت ترانسيلفانيا إلى المملكة المجرية الشـرقية عقب معركة موهاج عام 1526م، وصارت تُدعى إمارة ترانسيلفانيا. كانت ترانسيلفانيا ولاية تابعة للدولة العثمانية في القرنين السادس عشـر والسابع عشـر، ولكنها كانت خاضعة لولاية مزدوجة من قبل العثمانيين وآل هابسبورغ. وفي عام 1690م، تولت ملكية هابسبورغ حكم ترانسيلفانيا بأمر من الملك المجري. وفي عام 1711م توطدت سيطرة هابسبورغ على ترانسيلفانيا، واُستبدل أُمراء ترانسيلفانيا بحكام هابسبورغ الإمبراطوريين. وتبدل وضع ترانسيلفانيا الخاص عقب التسوية النمسوية المجرية عام 1867م، وضُمت إلى مملكة المجر (ترانسليثانيا) كجزء من الإمبراطورية النمساوية المجرية. وعقب الحرب العالمية الأولى صارت ترانسيلفانيا جزءًا من رومانيا. وفي عام 1940م عادت ترانسيلفانيا الشمالية إلى المجر إثر منحة فيينا الثانية، ولكنها عادت لرومانيا من جديد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
[28] – شيماء الأبيض، ما حقيقة الكونت سان جيرمان والحياة الخالدة؟ موقع عربي بوست.
[29] – آدم وايسهاوبت: ولد آدم وايسهاوبت في 6 فبراير/ شباط عام 1748م في (إنغولشتات). والده (يوهان غيورغ وايسهاوبت) (1717-1753م) توفي عندما كان آدم عمره حين ذاك خمس سنوات، بعد وفاة والده كان تحت وصاية (يوهان آدم فريهر فون)، الذي كان بمثابة الأب لآدم، وأستاذًا للقانون في جامعة إنغولشتات. كان (إيكستات) من دعاة فلسفة كريستيان وولف والتنوير، وقد أثر على الشاب (وايسهاوبت) بعقلانيته. أسس آدم منظمة المتنورين في 1 مايو 1776 عند حظره لحركة المسيحيين اليسوعيين، وقد أسس منظمة النورانيين على أنها منظمة تعنى بتحسين مهارات التفكير والتعلم، وذلك وفق نظريات وأفكار معينه، مبنية على الحكمة وحرية التفكير و(تنوير العقل) بنقله من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. وقد كانت الحركة في بدايتها تتألف من المفكرين الأحرار، وهم الامتداد الطبيعي لحركة التنوير التي سادت في مقاطعة بافاريا. ولقد كان للنورانيين دور رئيسـي في أحداث الثورة الفرنسية، كما كان لبعض الفلاسفة والماسونية الحرة. قام (آدم وايسهاوبت) باختيار (بومة منيرفا) كرمز للنورانيين، وهي آلهة الحكمة لدى الرومان. ثم قام بإنشاء محفل الشـرق العظيم Lodge of the Grand) Orient))، وهي محافل ذات طابع ماسوني، لتكون مقر قيادة المنظمة، وبما أن اليسوعيين ذوي نفوذ آنذاك، استغل وايسهاوبت ذلك النفوذ كونه قسّاً فقام بحظر حركة المسيحيين اليسوعيين لإنشاء منظمتة، وأيضا بسبب حماسه الشديد لأفكار عصـر التنوير. وبالرغم من أنه كان قساً، إلا أنه ارتد عن المسيحية. ألقى (آدم وايسهاوبت) خطابًا على النورانيين الجدد عام 1784م، قال فيه: “كل من يريد أن يقدم الحرية العالمية بنشـر الوعي العام: ولكن ليس مجرد كلمة وعي, إنها نظرية المعرفة المجردة والتأمل، والمعرفة النظرية، وتفجير طاقة العقل، ولكن لا شيء لإصلاح القلب”، توفي في 18 نوفمبر/ تشرين الأول عام 1830م. وليم جاي كار، أحجار على رقعة الشطرنج، ص9.
[30]– روبسبير: ماكسيميليان دي روبسبير، ولد عام 1758، وتوفي عام 1794م. محام فرنسـي عرف بموقفه المعادي والرافض للنظام الملكي في البلاد، كان أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في الثورة الفرنسية، انتخب عضواً بالجمعية الوطنية (مجلس النواب)، وتولّى عدداً من المناصب العليا بالجمعية التأسيسية، والهيئة التنفيذية، وغيرها من المؤسسات السياسية التي برزت بعد الثورة. وكان من المنادين بإعدام الملك لويس السادس عشـر؛ مما منحه شعبية ونفوذاً كبيرين، حتى رشحه الشعب، وقيادات الثورة، لتولي قيادة الحكومة التي تلت إسقاط نظام الملك. لم يشك روبسبير في وجود مؤامرة تقودها الطبقة الأرستقراطية ضد التحركات الشعبية، بغية العودة للسلطة والامتيازات التي أتيحت لهم على مدى قرون من تاريخ فرنسا. ترأس عام 1790م (حركة اليعقوبيين)” (Les Jacobins) الذين يسمون أيضاً بأصدقاء الدستور، الذين كانوا من الداعمين والمسوقين للثورة، وبذلك انتخب عضواً في المؤتمر الوطني. وكان المؤتمر منقسماً بين تيارين متعارضين: تيار (الجيرونديين)، ممثلي الطبقة النبيلة الأرستقراطية، وكان معظمهم ينتمون لمنطقة (جيروند)، وتيار (بدو الجبال)، وكان روبسبير أحد رموزه، وهو التيار الذي كان غالباً في الثورة، وشكّل نواة ما سيعرف فيما بعد باليسار الفرنسـي. وفي يونيو/حزيران من العام 1794م، وصل روبسبير إلى أوج قوّته السياسية، حيث أصبح عضواً في لجنة الإنقاذ، التي تأسست في 6 أبريل/نيسان 1793م، وهي أوّل لجنة أسّسها المؤتمر الوطني، وانبثقت عن الحكومة الثورية، لمواجهة خطر الاحتلال، والحرب الأهلية، إضافة إلى مراقبة الوزراء، وبسط هيمنة الدولة. وفي يوليو/تموز بدأ تيار (بدو الجبال) الاقتراب من التطرف السياسي، انطلاقاً من فكرة روبسبير حول الفضيلة التي يجب أن تعتمد القوة والرعب حتى تنتصـر. وساهم روبسبير في محاكمة وإعدام العديد من المعارضين للحكومة الثورية، وحتى العديد من الشخصيات السياسية التي ساندته خلال مسيرته، والتي أبدت بعض التحفظ على سياساته وقراراته؛ على غرار (جورج جاك دانتون) و(جاك روني هيبار). وفي يونيو/حزيران 1794 أصبح رئيساً للمؤتمر الوطني، وبذلك تمكّن من إحكام السيطرة على السلطة الأعلى في البلاد، ومع شعوره المتزايد بضـرورة إحكام قبضته على السلطة، أرسى قانون (الشبهة)، الذي يتيح محاكمة وإعدام أي شخص بناء على تصـريحاته، أو حتى تصـرفاته، التي يمكن أن (توحي) بأنه معارض للنظام الجديد. وهذا الإجراء الجديد، المثير للخوف من تساقط مزيد من رؤوس الشخصيات السياسية، أثار حالة من التململ في صفوف أعضاء المؤتمر الوطني، إضافة إلى معارضة لجنة الأمن العام لهذا القانون الجديد، وبذلك بدأت تتكون جبهة معارضة لروبسبير، مع تواصل حملة الإعدامات التي لم تتوقّف في كامل أنحاء فرنسا، حيث وصلت أعداد الموقوفين بالسجون إلى نصف مليون مواطن، وأعداد الذين نفّذ فيهم حكم الإعدام بالمقصلة: 16 ألف شخص، من عام 1793 حتى عام 1794م. ثم قرر أعضاء الحكومة، وقيادات الثورة، التخلص منه باعتقاله، ثم إعدامه بـ (المقصلة)، رفقة 100 من أعوانه، حيث اقتيد روبسبير مساء 28 يوليو/تموز 1794 ونفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة.
[31]– جورج دانتون: أصبح (جورج دانتون) محامياً خلال العام 1787، والتحق خلال فترة وجيزة بالتيار الثوري بفرنسا، وساهم خلال العام 1790 في تأسيس (جمعية أصدقاء حقوق الإنسان والمواطن)، والمعروفة بجمعية الكوردوليي (Club des Cordeliers) ، وطالب خلال العام التالي بإسقاط الملك لويس السادس عشـر، عقب محاولة الأخير الفرار من فرنسا. عام 1792، لعب دانتون الدور الأبرز في نشأة (الكومونة الثورية) بباريس، واجتياح قصـر التويليري، وعزل الملك يوم 10 آب/أغسطس 1792. كما أصدر خلال نفس العام مرسوم (الوطن في خطر)، لزيادة عدد الجنود، وملاحقة أتباع الملك، بهدف مجابهة تقدم القوات النمساوية والبروسية، الساعية لإعادة تنصيب لويس السادس عشـر، وإنهاء الثورة بفرنسا. لاحقاً حصل جورج دانتون على منصب وزير العدل، وقد ألهمت خطاباته الحماسية الجنود على الجبهة، وبفضلها حققت القوات الفرنسية، بعد سلسلة من الهزائم، نصـراً هاماً بمعركة (فالمي) (Valmy)، سرعان ما أنقذ الثورة من الحملة العسكرية النمساوية البروسية. إلى ذلك، يعود الفضل لهذا المحامي المخضـرم في نشأة المحكمة الثورية، التي مثل أمامها خلال الأشهر التالية آلاف المتهمين بالتعاطف مع الملك وخيانة البلد، وقد لعبت هذه المحكمة دوراً هاماً في إرسال العديد من الفرنسيين نحو المقصلة، خلال عهد الإرهاب. كما أمر المجلس الوطني خلال شهر نيسان/أبريل 1793 بإنشاء لجنة السلامة العامة، بناء على طلب من دانتون، بهدف حماية الثورة الفرنسية من التهديدات الداخلية والخارجية، وقد تزعّم الأخير هذه اللجنة لفترة وجيزة، قبل أن يجبر على الانسحاب بسبب تهم بالفساد والرشوة، لتسقط على إثر ذلك لجنة السلامة العامة في قبضة ماكسيمليان روبسبير، الذي استغلها لإراقة دماء عدد كبير من الفرنسيين، وتصفية حساباته مع معارضيه. يوم 5 نيسان/أبريل 1794، اصطحب الجلادون دانتون وأتباعه نحو المقصلة. وأثناء مرور عربته أمام منزل روبسبير، صرخ دانتون قائلاً: “روبسبير ستلحق بي قريباً، منزلك سيهدم، وسينثر فوقه الملح”، وعند صعوده إلى منصة الإعدام خاطب دانتون الجلّاد قائلاً: “بعد أن أموت ارفع رأسي المقطوعة ليراها الشعب، فهي تستحق ذلك”، وعلى إثر ذلك، هوت شفرة المقصلة لتقطع رأس الرجل الذي لقّبه الفرنسيون بمنقذ وبطل الثورة، وعقب تنفيذ الحكم خيّم الصمت والحزن على الحاضرين. ولعبت حادثة إعدام دانتون دوراً هاماً في تزايد كراهية الشعب، ونواب المجلس الوطني، لروبسبير وأتباعه، وأينما حلّ الأخير ردد الناس عبارات (الموت للطاغية). وكما تنبّأ دانتون، انقلب الجميع على روبسبير بعد نحو 5 أشهر، ليعدم بذلك الأخير يوم 28 تموز/يوليو 1794 بالمقصلة.
[32]– ألبرت بايك: ولد بايك في (ماساتشوستس) بـ(بوسطن). التحق بالمدرسة في عام 1688/1689م، وفي عام 1825م اجتاز امتحان القبول لجامعة هارفارد، ثم تركها. بدأ ببرنامج للتعليم الذاتي، ما مكنه ليصبح أستاذ مدرسة في (جلوسستر)، وشمال (بيدفورد) و(نيوبيريبو). غادر (ماساتشوستس) للسفر غرباً، وفي (سانت لويس) في ولاية (ميسوري)، التحق بحملة إلى (تاوس) في ولاية (نيوميكسيكو) للصيد والتجارة. التحق بايك بتنظيم (Independent Order of Odd Fellows) ) عام 1840م، وبذلك التحق بالمحفل الماسوني، حيث أصبح فعالاً في شؤون المنظمة بشكل كبير. انتخب بايك لاحقاً كرئيس أكبر في السلطة القضائية للمجموعة الأسكتلندية، في عام 1859، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته، أي قضـى ما يقارب 32 سنة كرئيس أكبر. كرّس بايك جزءاً كبيراً من حياته لتطوير طقوس المنظمة الماسونية، ومن الجدير بالذكر أنه نشـر عام 1871م كتاب الأخلاق والعقيدة للطقوس الأسكتلندية القديمة والمقبولة في الماسونية، وأوضح بايك أن نصف النص منسوخ من أعمال أخرى، لكنه لم يوضح مصدرها، وأتبعه بالعديد من الإصدارات.
[33]– وليم جاي كار، أحجار على رقعة الشطرنج، دار الكتاب العربي دمشق – القاهرة، ص8 – 12؛ بهاء الأمير، كتاب: اليهود والماسون في الثورات والدساتير، واليهود والماسون في ثورات العرب.
[34] – محمد عبدالله عنان، تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، ص 121..
[35] – المرجع نفسه، ص 119 – 120.
[36] – محمد عبدالله الشـرقاوي، الكنز المرصود في فضائح التلمود، بيروت – دار عمران، القاهرة، دار الزهراء، 1414هـ/ 1993م، ص36.
[37]– القبالاه، موسوعة السبيل، أحمد دعدوش المشـرف على موقع السبيل، 42/4/2017م.نقلاً عن Morals and Dogma,
العدد 188 ǀ صيف 2024 ǀ السنة الحادية والعشرون