إرهاصات انهيار النظام العالمي

د. عبد اللطيف ياسين علي

 من المسلّمات في نظريات العلاقات الدولية؛ تأثر الدول المحيطة أو المجاورة بركود دولة ما، فمثلاً تتأثر إيران بركود العراق، والعكس صحيح، وكذلك تركيا وإيران، العراق وتركيا، وهذا التأثير المتبادل له تداعيات يمتد عبر القارات، بحيث يخيّم على السياسات الاقتصادية لمعظم الدول؛ فالكساد العظيم([1]) (1929- 1933) نموذج شاخص على فشل النظام المالي العالمي، ودليل على إخفاق الإدارات المتعاقبة في النظام الأمريكي في التعامل مع المال والثروة، كما أنه ناجم عن سلوك الأفراد والشركات الطائشة والمجرّدة من المبادئ والقيم.

 هذه المسائل مجتمعة، أدّت إلى ذلك الخراب الاقتصادي، ولم تتوقف عند تلك المرحلة، إنما جرّت العالم إلى فشل مالي جديد، ومن نتائجه حرب أوكرانيا، وغيرها من النشاط العسكري الغربي المتزايد، والتحرّكات العدوانية، وتصدير الإخفاقات إلى العالم، والاستخفاف بالشعوب، وما ترتّب عليه من عواقب قاتلة لبعض الشعوب. وأثارت الأزمة جدالاً بشأن العثرات الاقتصادية الأميركية، وسلامة اقتصادها، وحتى الشكل الملائم للنظام الرأسمالي، ومدى نجاعته.

ولمعرفة الحقيقة، والاطلاع على خبايا الأمور، ارتأينا أن نعرض لكم كتاب (جوزيف ستيغليتز)، الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان (السقوط الحر)([2])، مع تعليقات وتفصيلات إن تطلّب الأمر. والمؤلف حائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2001، كما أنه اقتصادي كبير جداً، وله بصمات كبيرة ومؤثرة على النظام الاقتصاد الأمريكي.

في هذا الكتاب يعرض (ستيغليتز) أصول ذلك الكساد، وحجمه الحقيقي، ويريد أن يبرهن للعالم بأن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى مزيد من عمليات الإنقاذ بمليارات الدولارات، كما قام به بوش الإبن، وباراك أوباما، وتقديم استثناءات للمصارف والشـركات. طبعاً يتّضح لنا، في هذه القراءة، أن هموم هؤلاء الرؤساء هي الحفاظ على هيمنة وحضور بعض الشـركات، التي يطلق عليها (الأكبر من أن تفشل)، فأيّ تهديد على هذه الشـركات يجعل الزعماء الأمريكيين يتصدّون لهذه الإخفاقات. والكاتب يريد أن يقول إن حفنة من الناس يتحكمون في الحكومات والشـركات، وإن الشعب الأمريكي عرضة للنهب والاستخفاف.

ويفنّد (ستيغليتز) ريادة أمريكا للعالم، ويرى أن أمريكا سيطرت على أقوات الناس خلسة ومكراً ودهاءً، كما تسيطر على الحكومات والأسواق، فالولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة داخلياً – في الرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، والصناعة –، وهناك حرب أفكار مستمرة بشأن هذه المنظومة الرأسمالية الأكثر فعّالية، فضلاً عن إعادة التوازن للقوة الاقتصادية العالمية، على النمط الأمريكي، وذلك يؤثّر في تشكيل هذا النظام الاقتصادي العالمي، وربما تُظهر هذه المعركة في النهاية عدم صحة نظريات السوق (العقلانية)، أو الرأي بأن السيطرة الاقتصادية الأميركية على العالم محتومة ومنيعة، وبالنتيجة كل هذه المحاولات هي للسيطرة على الاقتصاد العالمي، بجميع موارده ومصادره، وأي إخفاق لهذا الاقتصاد، يدفع الولايات المتحدة الأمريكية دون تردد إلى تحريك القوة العسكرية؛ بحراً وجواً، للسيطرة على الأوضاع، وإعادة الأمور إلى مجاريها.

يقول (ستيغلتز): “لكل من شاهد غضب (وول ستريت)، وهي تدمّر البيوت والتعليم والوظائف، فيما تتخذ الحكومة خطوات ناقصة على أمل تحقيق التعافي الكافي، وينهمك المصـرفيون في الادعاء بأنهم لم يكونوا على علم بما سيحدث، ثم يسعون إلى الحكومة لإنقاذهم، رغم مقاومة الرقابة التي تقلّل من وقوع الأزمات في المستقبل”.

ويقدّم كتاب (السقوط الحرّ) تفسيراً واضحاً لشعور عدد كبير من الأميركيين بخيبة الأمل اليوم، وكيف يمكن تحقيق اقتصاد مزدهر، ومجتمع أخلاقي، في المستقبل.

وقد كتبت فيما سبق؛ موضوعاً حول النظام العالمي، وفصّلت فيه القول، بأن النظام العالمي – في أحسن صوره – غطاء لمواراة معالم الشـرّ الأمريكي الممتد عبر العالم، فمخاض ولادة الولايات المتحدة: كارثة وقعت على البشـرية جمعاء، وبلاء عمّ العالم، وشرّ دخل جميع البيوت، ومسّ أصحاب النفوس جميعاً، إلا من رحم.

ولكي نبيّن للعالم أن الولايات المتحدة، ولأسباب عدّة، نجحت في صناعة العولمة، وذلك لتعميم أمراضها، ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وقامت بقولبة العالم للتحكم بالمجتمعات الإنسانية.

وبهذا الصدد يقول (باراك أوباما): “هناك طيف واسع من القضايا التي يختلف عليها الأمريكيون: العراق، الضـرائب، الإجهاض، الأسلحة، الوصايا العشر، الزواج المثلي، الهجرة، التجارة، السياسة التعليمية، أنظمة وقواعد البيئة، حجم الحكومة، دور المحاكم”([3]). وهذه أزمات ومشكلات أمريكية داخلية لا صلة لها بالعالم، ولكن الولايات المتحدة استطاعت أن تعمم جميع هذه المشاكل على العالم وكأنّها عالمية، وقامت باستنزاف الشعوب لسدّ هذه الثغرات، وحلّ هذه المشاكل؛ فعلى مستوى الداخل الأمريكي توجد نخبة متحكّمة في قوت الشعب، وعلى الجانب الآخر تعمل هذه النخبة على جعل الشعوب الأخرى؛ قرابين للشعب الأمريكي، كما بات الشعب الأمريكي نفسه قرباناً لفئة معينة، “تواجه الولايات المتحدة، على غرار بقية بلدان العالم، تزايد انعدام المساواة في الدخل”([4])، فكان من الطبيعي أن نشهد هذا الانحسار، وهذه الإشكالات، داخل الولايات المتحدة، ولكن لحلّ هذه المشاكل تمّ تصديرها إلى البلدان الأخرى. يقول (أوباما): “أجد صعوبة هذه الأيام في التخلص من الإحساس بأن ديمقراطيتنا ضلّت سواء السبيل، وانحرفت إلى حدّ الخطر”([5]). ويقول: “نعرف أن نظام الرعاية الصحية لدينا منهار، باهظ التكلفة، وعاجز إلى أبعد حد؛ نظام يعرّض الأمريكيين المجدّين في عملهم إلى حالة مزمنة من انعدام الأمان الاقتصادي، وربما يوصلهم إلى حافة الفقر المدقع”([6] ) .

الغرب وأمريكا تعانيان من أزمات متعددة داخلياً، وتجلّى كل هذا وفق سياق قصصـي تراجيدي، هنا لا أريد التطرق إلى الأجواء والبيئة والحيثيات التي صنعت الغرب، فهذا موضوع شائك قد أتناوله في مواضيع لاحقة.

 وكنظرة خاطفة، إذا أردنا أن نطّلع  على أحوال المجتمع الأمريكي، نراها تتجسد في شخصية (فيتو كورليوني)([7]) بعد الحرب العالمية الثانية، وكيفية سيطرته على نوادي القمار. ولا يزال الغرب يتمتع بروح (العراب)([8]) أمام مجتمعه والمجتمعات الأخرى، فعقلية (كورليوني) لم تتوقف عن السيطرة على النوادي الليلية، أو المقامرة بجميع أبعادها، أو المخدرات. هذا ما أراده (كورليوني) آنذاك، وتريده اليوم  عائلة كندي، وعائلة بوش، وعائلة ترامب، للسيطرة على الاقتصاد العالمي.

فهناك أزمات كثيرة تلاحق الاقتصاد الأمريكي والعالمي، إذ يرى (ستيغلتز) أن “الخطوط العريضة الأساسية للقصة معروفة جداً، ورويت كثيراً، كان هناك فقاعة مساكن في الولايات المتحدة، وعندما انفجرت تلك الفقاعة، وهبطت أسعار المساكن من مستوياتها التي كانت تعانق السحاب، وجد كثير من مالكي المساكن أنفسهم تحت الماء، أصبح ما يدينون به يفوق قيمة المساكن المرهونة، وعندما فقدوا مساكنهم، فقد الكثيرون مدّخرات العمر، وتبخّر المستقبل الذي يحلمون به: تعليم جامعي لأبنائهم، وتقاعد مريح، وبدا أن الأمريكيين كانوا يعيشون في حلم إلى حدّ ما”.

“كان أغنى بلد في العالم ينفق أكثر مما تتيحه موارده، وقوة الاقتصاد الأمريكي، والعالم، تعتمد على ذلك. فلا بد من استمرار نمو الاستهلاك لينمو الاقتصاد العالمي، لكن كيف يستمر ذلك، فيما تجمدت مداخيل العديد من الأمريكيين منذ زمن طويل؟.

ابتكر الأمريكيون حلاً ذكياً؛ الاقتراض، والاستهلاك، كما لو أن مداخيلهم تحقّق نمواً. وهذا ما فعلوه، فانخفضت معدلات الادّخار المتوسطة إلى الصفر – ونظراً لأن العديد من الأمريكيين الأغنياء لديهم مدّخرات كبيرة جداً، فإن ذلك يعنى أن معدل ادّخار الأمريكيين الفقراء سالب. بعبارة أخرى: أصبحوا يرزحون تحت ديون ثقيلة”([9]).

الولايات المتحدة شاركت في الحربين العالميتين وخرجت منتصـرة، وبنت مجدها على أنقاض الدول الأوربية والدول التي انهزمت في الحربين، ومنحت لشعبها نشوة النصـر والنمو الاقتصادي، في حين أن بريطانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، كانت شبه مدمرة، وكذلك فرنسا و هولندا وألمانيا، وفي المقابل كانت الولايات المتحدة في مرحلة إعمار وازدهار اقتصادي متواصل، وهذا ما أدّى إلى خلق حالة من التفاؤل بمثابة فقاعة، فلم يكن بمقدور أحد مخاطبة الشعب الأمريكي دون مواربة أو مجاملة.. وأنني متيقّن بأن الولايات المتحدة لا تجامل أحداً، حتى شعبها، بل تخدعه شرّ خديعة، فالعقلية الاستعلائية وروح الهيمنة عند الإدارات الأمريكية منبثقة ومتبلورة وفق مقياس (( أساس الرأسمالية هو السعي وراء الربح))([10])،  فاستطاعت أن تعمّم هذه الرؤية في الغرب، وبالتالي أعمتها عن رؤية الحقيقة.. أي كانت الإدارة الأمريكية تمتلك القوة، وهي “ببساطة- قدرتك على التأثير في المحصّلات التي تريدها، وأن تغيّر سلوك الآخرين عند الضـرورة لجعل ذلك يحدث. إن قدرة المرء على الحصول على النتائج المرغوبة، كثيراً ما ترتبط بامتلاكه موارد معينة”([11]).

   فهذا الطمع المميت الذي استحوذ على روح الإدارة الأمريكية للاستيلاء على الموارد العالمية، والداخلية، لخلق أجواء التمتع لحفنة من الناس؛ تلك الحفنة التي بيدها القرار والقوة  للاستيلاء على قوت الشعب الأمريكي، والعالم أجمع، فـ “في تشرين الأول 2008 شهد الاقتصاد الأمريكي سقوطاً حراً، وأسقط معه جانباً كبيراً من الاقتصاد العالمي”([12]).

فهل فعلاً أدى هذا السقوط إلى الإضرار بالمصارف والشركات العملاقة التابعة لتلك الحفنة؟؟، وفشل “الأسواق المالية الأمريكية في أداء وظائفها الاجتماعية الضـرورية”([13])؟

نعم، الأسواق المالية فشلت، وشهدت سقوطاً مريعاً، باستثناء الشـركات والمصارف العملاقة، إذ بات من المستحيل انهيارها طالما كانت تحت عباءة السلطة الأمريكية، فتلك المصارف الكبيرة هي من تتحكم  بالإدارات الأمريكية، وترشدها. وبمقدار الهيمنة السياسية الأمريكية على العالم، تأتي الهيمنة المالية لتلك الشركات على النظام المالي العالمي، “فالمصارف لم تنمو إلى حدّ أنها أصبحت أكبر من أن تفشل فحسب، وإنما أصبحت ذات قوة سياسية كبيرة يصعب تقييدها، إذ أصبحت بعض المصارف كبيرة جداً بحيث لا يسمح لها بالفشل”([14]).

فجميع تلك القرارات في عهود مختلف الرؤساء استخدمت تباعاً للحفاظ على تلك المصارف، “إذ استخدمت إدارة الرئيس (جورج دبليو بوش) الركود القصير، الذي تلا انهيار فقاعة التكنولوجيا، كحجّة لتمرير أجندة تخفيض الضـرائب على الأغنياء، التي ادّعى الرئيس أنها الدواء الشافي لجميع العلل الاقتصادية”([15])، “وذهب الجزء الأكبر من تلك الأموال إلى أصحاب المصارف الأثرياء”([16])، أي “أخذت الأموال من محفظة الشعب، لإثراء محافظهم”([17]). ولم يكن “مشـروع قانون الحوافز، في شباط  2009، القاضي بالتخفيضات، في برامج الولايات والحكومات المحلية، إلا ضربة شديدة وجهت للفقراء”([18])،  فالمجتمع الأمريكي كان عرضة للاستخفاف، والابتزاز، والزجّ في غيابات التضليل، وجرّه إلى وعود وردية، وتحت هذه الوعود “أقبل ملايين الأشخاص على الاقتراض بضمان رهن عقاري لا يستطيعون احتمال تكاليفة، وعندما بدأت أسعار الفوائد بالارتفاع، فقدوا بيوتهم، وكل ما يملكون”([19]). وبعد أن وقع الشعب في تلك المطبات، والإفلاس، والديون، قام “المديرون التنفيذيون؛ مثل بارسونز، بإلقاء اللوم على المقترضين، لأنهم اشتروا منازل لا يستطيعون تحمّل تكاليفها”([20]).

إنهم يلقون باللوم على الفقراء الذين تقلّ مدخولاتهم عن المصاريف الاقتصادية، ولكن تراهم يحثّونهم على الدخول في عالم الرهن والمصارف، وأن يشتروا منازل تفوق قدراتهم المالية.. يقول (ستيغلتز): “وقد شجّع منح القروض إلى المقترضين غير المؤهلين، وأقبل الناس على الرهن أو الاقتراض بضمان رهن عقاري لا يستطيعون احتماله”([21]).. إن السيطرة على العقول هي التي جعلت من الإنسان عرضة للابتزاز الطوعي، ولم يكن الإعلام العالمي إلا وسيلة لخلق مشـروع عبيد طوعي بملء إرادتهم، فمثلاً استطاعت مجلة (بلاي بوي) أن ترفع عدد مبيعات بنطال الجينز بدون سبب وجيه، فقط لأن المجلة تمكنت من اقناع القراء بضرورة شراء هذا البنطال، ونحن نعلم – كما يعلم الأمريكيون المطلعون – بأن السيطرة على اللاوعي كارثة بحيث يساق المواطنون كعبيد وقطعان من المستهلكين.

 يقول مؤلف كتاب (السقوط الحر): “لكن الأزمة لم تكن مجرد شيء أصاب الأسواق المالية، بل هي من صنع الإنسان؛ شيء صنعته (وول ستريت) بنفسها، وألحق الضـرر بها، وببقية مجتمعنا”([22]). فهذه الخسائر لم تتوقف عند حدود الأمريكيين فحسب، وإنما جرّت دولاً أخرى إلى هذا التدهور الاقتصادي الأمريكي أصلاً، فلم يكن حال (الإمارات العربية) أحسن حالاً، وكذلك إقليم كوردستان، وإندونيسيا؛ فمديرة صندوق استثماري اندونيسـي، في مؤتمر نظّمه المصـرف المركزي الإندونيسـي، عام 2007، “كانت مصدومة بالخسائر، وشعرت بالحزن، لأنها كشفت عملاءها أمام السوق الأميركية المهزوزة”([23]).

ويشير صاحب كتاب (السقوط الحر) إلى الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي تطال ملايين الأمريكيين، ذوي الدخل المحدود، ويقول: “أميركا تواجه الآن مأساة اجتماعية إلى جانب المأساة الاقتصادية. لقد فقد ملايين الأمريكيين الفقراء بيوتهم، أو ربما يفقدونها (حوالي 23 مليون أمريكي في سنة 2008 فقط، وفقاً لإحدى التقديرات. وفي سنة 2007 تم اتخاذ تدابير للاستيلاء على رهن (1.3 مليون) ملكية عقارية. وتوقّع موقع (شركة موديز) أن يتخلّف ما مجموعه (3.4  مليون) مالك عن سداد أقساط رهن بيوتهم في سنة 2009، وأن يفقد (2،1 مليون) منهم بيته. ويتوقع أن يتمّ الاستيلاء على العقارات المرهونة لملايين آخرين بحلول سنة 2012. لقد عرّضت المصارف مدّخرات حياة ملايين الأشخاص للخطر عندما أقنعتهم بتجاوز مواردهم”([24]).  فمسألة السقوط كانت متوقعة عند أصحاب القرار والمصـرفيين، “توقعوا السقوط، وتوقعوا الاستيلاء على الرهن”([25])، ومع هذا “أنشأت المؤسسات المالية الأمريكية العديد من أنواع الرهن”([26])

ويقوم مؤلف كتاب (السقوط الحر) بطرح سؤال سخيف بعض الشـيء، ولكن يبقى سؤالاً يطابق سخافة المصـرفيين الأمريكيين، وهو: هل المصـرفيون جشعون بطبيعتهم؟ “المصرفيون – بمعظمهم- لا يولدون أكثر جشعاً من الأشخاص الآخرين، بل ربما يحظون بفرصة أكبر، وحوافز أقوى، للمكر على حساب الآخرين”([27]). فالإعلام، ووسائل الإقناع، بنتْ أهراماً من الثقة للشعب الأمريكي، بحيث “وثق الأمريكييون في أن أركان المجتمع تتحلى بالضمير الأخلاقي. لكن الجشع الذي تفشـّى في البلد تجاوز كل الحدود، بما في ذلك استغلال أضعف من في المجتمع”([28]). وكما قلت لم يتوقف هذا السقوط الأخلاقي في دائرة معينة، بل “لوثت المصارف الأمريكية الاقتصاد العالمي بنفايات سامة”([29])، ولا زالت دول كثيرة متضـرّرة جراء جشع الأمريكيين. يقول (ستيغلتز): “أفلت المديرون التنفيذيون من العواقب بسبب رداءة حوكمة الشـركات؛ فالمساهمون لا يديرون الشـركات الأمريكية (وكثير من شركات العالم) إلا بالاسم، بل أديرت عملياً من  قبل الإدارة، ولصالحها، وفي العديد من الشركات، تتوزع ملكيتها بين مساهمين متباينين، وشديدي التنوع. وتقوم الإدارة بتعيين معظم أعضاء مجلس الإدارة بالفعل، ومن الطبيعي أن تعيّن الأشخاص الذين من المرجّح أن يخدموا مصالحها؛ فالمجلس يقرّر بشأن أجور الإدارة، وتقدّم الشـركة مكافآت جيدة لأعضاء مجلس الإدارة.. إنها علاقة دافئة”([30]).

الأسس التي أنشأت أمريكا؛ ترتكز على طغيان مصلحة الفرد على الجميع، ونحن نعلم أن الفرد بالنسبة للآخر جزء من المجتمع، والفرد الآخر ينظر إلى الفرد الثاني، وهكذا دواليك، الفرد الذي يمجّد ويقدّس ويفضّل مصالحه على المجتمع، وبالنتيجة هو أمام الآخر جزء من الكل، وعليه تُملى مصالحُ غيرِه، إن وجد إلى ذلك سبيلاً!!

فالمنهج الذي بنيت عليه نظرية الفردانية هي تمجيد الذات وتقديسها، والمقابل (الآخر) يدخل حيّز القطيع والعبودية، ولا نستغرب عندما نذكر العبودية، فهي وصمة عار على جبين النظام العالمي، ولا تمحى هذه الوصمة، فهذا النظام المغرور المستبد هو عرّاب تحطيم الإنسانية، الذي أهدر كرامتها، وأنزلها إلى أدنى مستوياتها عبر التاريخ.

هذا المنهج دسّ في عقول الأمريكيين السذّج (وهماً)، أصبح منحوتاً في عقلهم الباطن؛ وهو الحلم الأمريكي الذي جعل سقف طموحات الشعب قريبة من طمع الذين يديرون البلاد، أو يديرون ماكينة الاقتصاد العالمي، فهناك الكثير من الأمور التي تجعل من الفرد الأمريكي عرضة للخداع والابتزاز، وما ذكره (ستيغلتز) يعدّ محدوداً؛ إذ إن الأوهام تشغل مساحة كبيرة من تفكير الأمريكيين، “لقد كان العديد من الأمريكيين يعيشون في وهم عالم الائتمان السهل”([31]). وموضع الشاهد في عالم الائتمان السهل، هو الحصول على مكاسب ضخمة دون بذل جهد كبير، وخلال مدة قصيرة. “فقد أحدثت العولمة تأثيرات معقدة في توزيع الدخل، والثروة، في جميع أنحاء العالم”([32]). وهذا النهج هو من إفرزات العولمة، وتأثيراتها على دول العالم كافة؛ فالمجتمعات باتت أمام تيار التسوّق عبر الانترنت، وأشكال التجارة الإلكترونية لجهات مجهولة. فنظام العولمة الاقتصادية قام بقولبة عقول أفراد المجتمع، وهذا مرض تحوّل لاحقاً، بحدّ ذاته، إلى وباء اجتماعي، كما ابتليَ به الفرد خارج نطاق المجتمع، وحوّل المجتمع إلى سلّم لصعود الفرد، وكل فرد ينظر إلى الآخر من المنظار نفسه، فأصبح من السهل الآن الهيمنة على عقول المجتمعات على طريق الأفراد أنفسهم، ولا يعلم هذا الفرد – صاحب نظرية الكسب الكثير السـريع – أنه وسيلة بالنسبة لغيره، ولا يُنظر إليه إلا وفق هذا النهج، فأيّ حملة ذكية كفيلة بتراص جمع من الأفراد الحمقى؛ نراهم يقفون في طوابير طويلة بانتظار دورهم لنيل هذا الوهم القاتل، وحين تنكشف الغمّة يظهر أنه يمتطي حماراً أعرجاً، وليس فرساً. و”لقد كان النظام المالي الأميركي ذكيّاً في التوصّل إلى كيفية استغلال الأميركيين الفقراء”([33])، وهذا الذكاء خلق أجواء مفرطة من الاندفاع والوقوع في براثن الديون والقروض، “لقد أفرط الأمريكيون في الاقتراض، وكلّفوا المجتمع والعالم غالياً”([34]). وعبر إحدى الوسائل البسيطة تتحوّل هذه الأزمة من أزمة أمريكية إلى أزمة عالمية تشق جيوب الفقراء في دول أخرى، وما أكثر الوسائل التي تمكّن الولايات المتحدة من الاستحواذ على جيوب العالم، فالادعاء بحقوق المرأة إحدى تلك الوسائل، وكذلك المناداة بالحرية والديمقراطية، وحقوق الأطفال، والتنمية في البلدان النامية، وكل هذه “ترمي إلى تعظيم عوائد الأثرياء”([35]). “ومن المظاهر الغريبة لنظام الضـرائب الأميركي أنه يعامل المضاربين الذين يقامرون، أفضل ممّن يكدّون لكسب لقمة العيش”([36])، و”لقد كانت المصارف مفرطة التفاؤل، ولديها حوافز للتصـرّف على هذا النحو. وعندما تكشّفت الأزمة، أمّلت في أن تكون المشكلة الوحيدة، فأحدثت نوبة من (التشاؤم غير العقلاني)، إذ شعر الناس بالثقة بارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق. ومن المؤسف أن الاقتصاد لا يدعم مثل هذا الرأي كثيراً، الثقة مهمة، لكن ما تقوم عليه المعتقدات والمشاعر والرغبات والمكاره عناصر مهمة من عناصر الحقيقة”([37]). وهذا هو الغباء المجتمعي؛إذ “أصبحت جميع المصارف الأمريكية الكبرى أكبر من أن تفشل، كما رأينا”([38]).

وهناك الكثير من النماذج الدرامية: (EDG OF DARKNESS)[39]  (BOMB SHELL)[40] (PAIN & GAIN)[41]  كلها إفرازات ذلك النهج الأمريكي، صاحب الحلم (الوهم) الأمريكي، وهناك آلاف النماذج والعيّنات داخل المجتمع الأمريكي؛ من ابتزاز، وتحرّش، واستغلال، وتصفيات جسدية، إنّها بحقّ امبراطورية قائمة على الخيانة والأنانية .

وقد اتّفق المؤرخون والسياسيون على أن الكساد والركود أمر لا مندوحة عنه، وهو أمر مرتبط بإدارة الدولة وشؤون الحكم، ويختلف حجم الكساد من دولة لأخرى، ومن عصر لآخر، ولكن الإشكالية تكمن في أن هذا الكساد بعينه مختلق وموجّه .

ويؤكّد (ستيغلتز) “تراجع الدخل الوسطي للذكور في سن الثلاثينات اليوم، عمّا كان عليه قبل ثلاثة عقود، وأن معظم الأميركيين يشهد ركوداً في الدخل منذ عقد من الزمن”([42]).  فالكساد والركود والبطالة  والتضخم، أمراض مزمنة، وأحياناً مميتة، تصيب المجتمعات، ولا سبيل للتعافي منها سوى بالنهضة والتنمية الشاملة.

وقد عبّر (أوباما) عن ذلك في كتابه (جرأة الأمل.. أفكار عن استعادة الحلم الأمريكي)، وأحسب أن هذه الأفكار ما هي إلا أجندات لاستغلال وابتزاز المجتمع الأمريكي، والمجتمعات الأخرى، تحت عناوين مختلفة.

  والمقتطفات التي سردناها من كتاب (السقوط الحر) توصلنا إلى جملة من المسائل الهامة الآتية:

أولاً:  تعوّل الحضارة الغربية على وحدة المجتمعات الغربية مهما كان الثمن.

ثانياً: استخدام المسيحية كغطاء لهذه الوحدة اللائيكية والعلمانية، أي أن المسيحية بمثابة واجهة لهذه الوحدة.

ثالثاً: بثّ روح هيمنة الغرب على الثقافات العالمية. وبهذا الصدد يقول (جوزيف س – ناي)، في كتابه (القوة الناعمة): “إذا صار لدينا الى جانب القوة العسكرية؛ قوة اقتصادية وثقافية عالمية، لا يفوقها شيء فحينها  سنتمكن من التأثير في سلوك الآخرين دون أدنى أوامر”([43]). ويتّضح أن أمثال هؤلاء المفكرين الغربيين يؤكّدون على حقيقة الهيمنة الغربية.

رابعاً: تغيّر سايكولوجية العالم الثقافية والفكرية والاقتصادية والعسكرية والسياسية. وأشير إلى هذه المفاهيم بشكل مقتضب، فالغرب لا يؤمن بتعدّد الثقافات إطلاقاً؛ إنما يريد فرض ثقافته على العالم، والفكر من المنظور الغربي هو قالب مصفوف وموجّه لبناء مقابر جماعية، وبناء مجتمع ميّت تديره حفنة من مصاصي الدماء.

فالنموذج الاقتصادي الذي ذكرناه آنفاً، مصدر كل الانحرافات، وكبت الحريات، وتدمير الثقافات .

خامساً: المسلك السياسي في الحكم والإدارة؛ فالنظام الغربي يقوم بتغيير أنظمة الحكم في الكثير من الدول النامية، عبر إضعافها، وتجريد الحكومات من صلاحياتها، وجعلها مركزاً تجارياً يتبع الشركات المتعددة الجنسيات!! مع أن الحضارة الغربية هي من دمّرت الجنسيات، وأطاحت بالثقافات، من خلال الهيمنة الاقتصادية.

فالحضارة الغربية قائمة على الفلسفة الليبرالية الفردانية، التي تسوّق الرجل الأبيض على أنه الشخص الناجح والمنتصـر دوماً. يقول (أوباما): “إن التصدي لمشكلات الفقر في العالم، والدول الفاشلة، أمر حيوي لمصالح أمتنا، وليس مسألة إحسان أو صدقة”([44]). ومن المؤسف أن المجتمعات المتخلفة على علاقة تبعية للولايات المتحدة، وكأنها المنقذ أو الحامي لها، وما حماية (الإمارات والكويت وعُمان والبحرين، وحتى إقليم كوردستان) إلا مرحلة لتنفيذ الأجندة الغربية، وبعد ذلك ستأتي مرحلة الانسلاخ من الهوية والتنكّر لتاريخ الأمة، والقبول بالتبعية الاقتصادية. فغالبية الحكومات مجرد خدم للشـركات الكبرى العابرة للحدود، حكومات تقوم بنهب خيرات بلادها، ومنحها صاغرة إلى الولايات المتحدة، أو الدول العظمى أو المتقدمة عموماً. فحين نمعن النظر في هذا التعريف للحكومات والدول، يلوح لنا ناقوس الخطر وهو يدق،  لأن كافة بنود الاتفاقيات؛ تبرمها حفنة من القابضين على السلطة، المتحكمين في خيرات البلاد.

سادساً: ومن أهم الطرق التي يسلكها الغرب للسيطرة على مقدّرات العالم، وفقاً لمعاهدة (وستلفانيا)؛ هي حرية الملاحة البحرية لدول الغرب، أو الاتحاد المسيحي الغربي. لذلك، فإن أيّ تحدّيات تعترض الملاحة الغربية من قبل أيّ جهة، تعتبر تهديداً حقيقياً للوجود الغربي، ولأسواقه.

سابعاً: من دعائم النظام العالمي غير الأخلاقي، هو ضرب العالم بكل ما أوتي من قوّة، والسعي لتدمير الأخلاق، ونسف القيم الإنسانية، وتحطيم الاقتصاد والفكر والسياسة، وإعادة صياغتها وفقاً لأهوائه، وبالتالي تكريس تمجيد الغرب. فعلى سبيل المثال، بارك الأمريكيون ضرب الحركات الكوردية من قبل النظام البعثي العراقي آنذاك، فما كانت اتفاقية الجزائر إلا جزءاً من مؤامرة أمريكية لضـرب الكفاح المسلح للكورد، وكان (هنري كيسنجر) هو مهندس الاتفاقية، وكذلك قامت بدعم نظام (سوهارتو) في (إندونيسيا)، وعن هذا يقول (أوباما): “حدث ذلك كله طوال السبعينات والثمانينات، بمعرفة إن لم نقل بالموافقة السافرة للإدارة الأمريكية”([45])… “كانت السياسات الأمريكية مضللة ومخطئة، ارتكزت على افتراضات تتجاهل التطلعات والطموحات المشـروعة للشعوب الأخرى”([46]).  والذي يؤرّقني فعلاً، ولا أستطيع أن أستوعبه هو أن الكورد هم ضحية الاستعمار الغربي، منذ إسقاط الدولة العثمانية، وحتى الإطاحة بثورة الملا مصطفى البرزاني في سبعينات القرن المنصـرم، ومن ثم استخدام الأسلحة الكيمياوية ضدهم، ومع هذا أرى الساسة الكورد في تماهٍ تام مع النظام الغربي. وكذلك العديد من المثقفين الكورد منبهرون بالحضارة الغربية ومنقادون لها، رغم أنها راعية تقسيم كوردستان؛ أرضاً وشعباً !.

ثامناً: كما أشرنا سابقاً إلى أن الغرب من خلال ضرب القيم والأخلاق، استطاع أن يهيمن على عقول أجيال عديدة، بإلهائها وإشغالها بأمور تافهة. ومن لم يخضع جربوا وسائل أخرى، تحت غطاء الأمم المتحدة، باستحداث مؤسسات تتحكم بكل شيء؛ سواء على مستوى الأفراد أم الدول.

وإحدى تلك المؤسسات (نظام الاحتياطي الفيدرالي)، بالإنجليزية(Federal Reserve System)،‏ ويعرف أيضًا باسم (الاحتياطي الفيدرالي)، وهو جهاز حكومي فيدرالي، يعمل في الولايات المتحدة عمل البنوك المركزية في الدول الأخرى من العالم. أسس في 23 ديسمبر 1913 بموجب قانون الاحتياط الفيدرالي، بعد سلسلة من الأزمات المالية (وخصوصا تلك التي وقعت عام 1907)، حيث برزت الحاجة إلى إخضاع النظام المالي لرقابة مركزية، بهدف الحد من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية. وعلى مدى الأعوام المئة منذ تأسيسه، توسعت صلاحيات ومهام الاحتياطي الفيدرالي نتيجة لأحداث مثل الكساد العظيم، والأزمة المالية العالمية.

وقد حدّد الكونغرس ثلاثة أهداف رئيسية للسياسة النقدية في قانون الاحتياطي الفيدرالي: زيادة التوظيف، والحفاظ على استقرار الأسعار، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، يشار أحيانًا إلى الهدفين الأولين باسم (التفويض المزدوج للاحتياطي الفيدرالي). وقد نمت مسؤوليات الاحتياط الفيدرالي على مرّ السنين، وباتت تشمل حالياً الإشراف على البنوك وتنظيمها، والحفاظ على استقرار النظام المالي، وتقديم الخدمات المالية لمؤسسات الإيداع، والحكومة الأمريكية، والمؤسسات الرسمية الأجنبية. ويُجري بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أبحاثًا في الاقتصاد، ويصدر العديد من المنشورات، مثل كتاب بيج، وقاعدة البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي.

كما ويتكون نظام الاحتياطي الفيدرالي من عدة طبقات، يحكمها مجلس المحافظين المعين رئاسياً، أو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (FRB)، وتخضع البنوك التجارية المملوكة للقطاع الخاص للإشراف من قبل 12 بنكاً احتياطياً فيدرالياً إقليمياً، منتشـرة في جميع أنحاء البلاد. ويتعيّن على البنوك التجارية المعتمدة على المستوى الوطني امتلاك أسهم في بنك الاحتياطي الفيدرالي المحلي، ويمكنها أن تنتخب بعض أعضاء مجلس إدارة البنك الاحتياطي الفيدرالي في مناطقها، ومنها وزارة الخزانة الأمريكية: للحفاظ على اقتصاد قوي، وخلق الفرص الاقتصادية، وفرص العمل المناسبة، من خلال تعزيز الظروف المواتية التي تساعد على استقرار النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار في الداخل والخارج، وكذا استدامة الأمن الوطني، من خلال مكافحة التهديدات، والحفاظ على سلامة النظام المالي، وإدارة الشؤون المالية، وموارد حكومة الولايات المتحدة، على نحو فعال.

إن وزارة الخزانة هي إدارة تنفيذية مسؤولة عن تعزيز الرخاء الاقتصادي، وضمان الأمن المالي للولايات المتحدة. فالإدارة مسؤولة عن مجموعة واسعة من الأنشطة، مثل تقديم المشورة للرئيس بشأن القضايا الاقتصادية والمالية، وتشجيع النمو الاقتصادي المستدام، وتعزيز الحوكمة في المؤسسات المالية، مع العمل على تحسينها.

كما تقوم وزارة الخزانة بتشغيل وصيانة أنظمة بالغة الأهمية للبنية التحتية المالية في البلاد، مثل إنتاج العملة المعدنية والورقية، وصرف الدفعات للشعب الأمريكي، وتحصيل الإيرادات، واقتراض الأموال اللازمة لتشغيل الحكومة الفيدرالية. هذا، وتعمل الإدارة عن كثب مع الوكالات الفيدرالية، والحكومات الأجنبية، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، وذلك من أجل تشجيع النمو الاقتصادي العالمي، ورفع مستويات المعيشة إلى أقصـى حد ممكن، والتنبؤ بالأزمات الاقتصادية والمالية، وتفاديها. كما تلعب وزارة الخزانة دوراً حاسماً، وبعيد المدى، في تعزيز الأمن الوطني، من خلال تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد التهديدات الخارجية للولايات المتحدة، وكذا تحديد واستهداف شبكات الدعم المالي لتهديدات الأمن القومي، وتحسين ضمانات الأنظمة المالية([47]).

ولم يشفع وجود كل هذه المؤسسات الضخمة في السيطرة على رفع مستوى المعيشة، والتعليم، والتأمين الصحي، وإنما أصبحت جميع هذه المؤسسات الغطاء الفعلي لابتزاز الفقراء، وعلى حد تعبير (توماس بين): “الحكومة التي تحكم أفضل، هي الحكومة التي تحكم أقل”([48]).

وفي ظل هذا النظام “تتقلص شبكة أمان المواطنين العاديين”([49])، وبالمقابل تتوسع شبكة أمان المستغلين، والشركات العملاقة.

تاسعاً:  من الواضح، في تعريف المؤسستين السابقتين، أن سلطتها وهيمنتها تجاوزت حدود القارات، وأضرّت بدول أخرى، كما أن صندوق النقد الدولي مجرد أداة “يقدّم الأموال، ولكن بشـروط قاسية، جعلت التراجع الاقتصادي في البلدان المتأثرة أكثر سوءاً”([50]). هذا، “وفي حين أن صندوق النقد الدولي يتباهى بالحوكمة، فإنه لا يمارس ما يعظ به، ولا توجد فيه الشفافية”([51])، وقام – عن طريق تلك المنظمات، والمؤسسات المالية – بالسيطرة على موارد دول آسيا وإفريقيا، والتلاعب بقيمها، وتاريخها، والمتاجرة بدماء شعوبها([52]).

 ونستعرض مزيداً من سلوك النظام الغربي، فهو “يتخذ الجدل الاقتصادي قوة خاصة في النظام المالي العالمي، ففي حين كان 60 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي في العالم يتركز في آسيا، قبل 190 سنة، لكن فجأة اجتمع الاستغلال الاستعماري، واتفاقيات التجارة غير العادلة، مع الثورة التكنولوجية في أوروبا وأمريكا، فتخلّفت البلدان النامية؛ بحيث أصبحت الاقتصادات الآسيوية في سنة 1950م تشكّل 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي فحسب. وفي أواسط القرن التاسع عشـر شنّت بريطانيا وفرنسا حرباً لضمان بقاء الصين مفتوحة أمام التجارة العالمية، كانت تلك (حرب الأفيون)، وقد سمّيت كذلك لأنها خضعت لضمان ألا تغلق الصين أبوابها أمام أفيون الغرب، لم يكن لدى الغرب الكثير مما له قيمة لبيعه للصين سوى المخدرات، فأرادت إغراق الأسواق الصينية به، مع ما يصاحب ذلك من تأثير إدماني. ترك الاستعمار إرثاً مختلطاً في العالم النامي، لكن النتيجة الواضحة هي الرأي السائد في أوساط الشعوب بأنها استغلت بقسوة”([53])، وكما يقولون “كان الإستغلال واضحاً: استخراج الموارد الطبيعية، واغتصاب البيئة مقابل مبالغ زهيدة، وفي أماكن أخرى كان أكثر استتاراً، وصار ينظر في العديد من أنحاء العالم إلى المؤسسات العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، أنها أدوات للسيطرة ما بعد الاستعمار”[54].

إن ما ذكرناه في هذا السياق، وما كتب حوله، مجرد غيض من فيض أمام جبروت وعنجهية وظلم النظام الغربي للبشـرية قاطبة. ولإخراج الإنسانية من هذا الظلم والجور؛ نحتاج إلى استعادة القوة، وتوزيعها بين دول العالم، حتى يكون هناك أقطاب دولية جديدة، وليس قطباً واحداً، كما هو الآن، يتحكّم بالنسق الدولي، والسياسة الدولية. فإذا كان الغرب يؤكّد حرية الملاحة الغربية؛ فعلى دول العالم أن تجعل هذه الحرية متاحة للجميع، وليست حكراً على الأساطيل والسفن التجارية الغربية. وقد تكون سياسة اليمن في البحر الأحمر، سياسة اضطرارية للحدّ من الطغيان الغربي.

ومسألة الشـركات متعددة الجنسيات ليست إلا وسيلة من وسائل الهيمنة على مقدرات العالم وخيراته، ومن الضـروري الحدّ منها. وربما تتباين الرؤى حول السياسة الواجب انتهاجها للحدّ من الهيمنة الغربية.

 وختاماً، أستعرض باختصار تحوّلات مرتقبة، ونموذج لهذه الحالة، فيما يتعلّق بحقيقة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والأحداث المأساوية والجرائم التي لا تزال تنفذّها إسرائيل ضد شعب فلسطين، ولا سيما في قطاع (غزة)، والتي قد يفسـّرها البعض على أنها جرّاء استخفاف حماس بدماء الفلسطينيين، ولا شك أن هذه الاتهامات تنمّ عن جهل بالتاريخ، والأجندات السياسية، والنبوءات الدينية، والمصادر الاقتصادية، بكافة أبعادها، فالعالم الإسلامي كان ولا زال عرضة للابتزاز والسـرقة والنهب والتدمير، إذ إن الغرب ينظر إلى دول العالم الإسلامي نظرة دونية، فوق ما يتصوّره العقل، فهذه الدول من منظورهم دول بائسة، لا سند لها ولا ظهير. يقول صاحب كتاب (صناعة المستقبل) عن هذا الأمر: “في الواقع، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعتبر مخططو وزارة الخارجية الأمريكية إفريقيا غير مهمة، من خلال تحديد وظيفة كل منطقة في العالم، في نظام الهيمنة الأمريكية، بحيث نصح (جورج كينان)؛ المسؤول عن التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، بمنح فريقيا إلى أوروبا لاستغلالها، في مقابل إعادة إعمارها. الآن الأمور تغيّرت نسبياً، إذ تبيّن أن موارد إفريقيا أثمن من أن تترك للآخرين”([55]).

تلك النظرة الدونية التي ينظر بها الغرب إلى العالم النامي أو الثالث، كأنه سلعة وعبيد، وما أحداث (غزة) إلا حدث ضمن السياقات المذكورة. فأحداث غزة هي امتداد لسياق من المستجدات، برزت في كانون الثاني  2006، حيث جرت في الأراضي الفلسطينية انتخابات بإشراف مراقبين دوليين، وصفت بالحرّة والعادلة، وبالرغم من المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لترجيح كفّة حركة فتح والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، إلا أن (حماس) تقدّمت فيها بشكل غير متوقع، ولاحقاً صعّدت إسرائيل من عملياتها العسكرية ضد (غزة)، وامتنعت عن تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية في (الضفة)، بذريعة الحيلولة دون وصول جزء منها إلى (حماس) في القطاع، وشدّدت حصارها، كما قطعت إمدادات المياه عن هذا الجزء من فلسطين، بدعم من واشنطن، حتى لا تحظى (حماس) بأيّ فرصة لتولّي الحكم.

ولإسقاط حماس الفائزة بغالبية أصوات الشعب الفلسطيني، قامت واشنطن وتل أبيب بتدبير انقلاب تقوده حركة فتح في (غزة)؛ إلا أن (حماس) باغتتها، وأفشلت العملية التي كان يتزعمها محمد دحلان.

وكانت الشـروط المفروضة على (حماس) هي الاعتراف بدولة إسرائيل، وتعليق عمليات المقاومة، وجرى التوافق على خارطة طريق فرضتها واشنطن عبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا، وهي لا تنص على إلزام إسرائيل بوقف أعمالها العدوانية، والتحريض ضد الفلسطينيين([56])

وما ورد ذكره حول الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، دليل على سياسة ضرب الفلسطينين، والتي تأتي في صلب الأجندة الأمريكية الإسرائيلية، فإن فلسطين – حسب مزاعم اليهود – هي أرض الميعاد، وهي تمثل للنظام الغربي مركزاً تجارياً وسوقاً استهلاكية لتصـريف بضائع المصانع الكبرى. وعليه، فقد تحوّل الاقتصاد بحد ذاته إلى عقيدة وطقوس، “وعلى المرء معاينة الصلة بين الأزمة وهذه المعتقدات، للكشف عما حصل”([57]).    

وغير خاف أنه رغم انبطاح السلطة الفلسطينية أمام الغرب والصهيونية؛ فإن الاستيطان يتوسّع يوماً بعد آخر في القدس الشـرقية والضفة الغربية، ولو كانت إسرائيل جادة في إحلال السلام لالتزمت باتفاقية أوسلو 1993.

إن احتلال ما تبقى من أرض فلسطين ما هو إلا استكمال لاستراتيجية الهيمنة على دول العالم.

 وأحسب أن الدور قادم على الأردن في مرحلة ما بعد فلسطين، حيث سيتم تفكيكها وإلحاقها بإسرائيل، ومن ثم سيأتي الدور على مصر أيضاً.

وحتى الصين، واليابان، والدول الأوروبية؛ ليست بمعزل عن تحديات الهيمنة الأمريكية، ونحن نعلم أن النظام الغربي لم يتوسع عبر الأفكار والإقناع، وإنما بالقوة العسكرية والهيمنة السياسية، فهذا النظام يسوّق أيديولوجيا هادمة لقيم المجتمعات. وللخروج من الهيمنة الغربية؛ لا بد من بناء قوّة اقتصادية وعسكرية موازية، لضمان توازن القوى في النسق الدولي، ولا يجب أن نغفل قوة الرأس المال البشري في هذا السياق، كما يتحتم توعية الشعوب واطلاعها على حقيقة القضية.


[1] – الكساد الكبير، أو الانهيار الكبير، أو الكساد العظيم (بالإنجليزية: Great Depression)،‏ هو كساد اقتصادي عالمي حاد، حدث خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وبداية عقد الأربعينيات، انطلاقًا من الولايات المتحدة. اختلف توقيت الكساد الكبير في جميع أنحاء العالم. بدأ في عام 1929، واستمر حتى أواخر الثلاثينيات. كان هذا الكساد هو الأطول والأعمق والأكثر انتشارًا في القرن العشرين. ويُعَدُّ أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، ويقول المؤرخون إنه بدأ مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929، والمسمى بالثلاثاء الأسود. يُستخدم الكساد الكبير بشكل شائع مثالًا على مدى شدّة تدهور الاقتصاد العالمي.

[2] – السقوط الحر؛ أمريكا والأسواق الحرة وتدهور الاقتصاد العالمي، جوزف ستيغلتز، ت: عمر سعيد الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

[3] – جرأة الأمل أفكار عن استعادة الحلم الأمريكي، باراك أوباما، ت: معين الإمام ، دار العبيكان، ط الثانية، 2008، ص 23ـ24.

[4] – السقوط الحر  ص240.

[5] – جرأة الأمل ، ص 29.

[6] – جرأة الأمل ، ص 30.

[7]  – قصة عائلة كورليوني، بداية من سنة 1945، هي إحدى أقوى عائلات المافيا الإيطالية في (نيويورك)، والمتورطة بأعمال إجرامية مختلفة؛ كإدارة نوادي القمار والبغاء، إلا أن علاقات زعيم العائلة (دون فيتو كورليوني)، بشخصيات سياسية هامة، منحته نفوذاً قوياً، ومنح أعمال عائلته تغطية، حيث يلجأ إليه الناس لحمايتهم ومساعدتهم بمشكلاتهم، وبذلك هو يؤدي خدمة لأصحابه من خلال هذه العلاقات السياسية والاجتماعية.

[8]  – العرّاب، أو الأب الروحي (بالإنجليزية: The Godfather)‏، هو فيلم جريمة أمريكي، أنتج عام 1972، من إخراج (فرانسيس فورد كوبولا)، وإنتاج (ألبرت رودي)، وسيناريو (كوبولا و ماريو بوزو)، وهو مقتبس عن الرواية التي تحمل نفس الاسم لسنة 1969. الفيلم من بطولة (مارلون براندو و آل باتشينو)، دورهم في الفيلم كقادة لإحدى أقوى عائلات الجريمة في نيويورك. القصة تمتد لسنوات 1945-1955، وتتمحور حول تحوّل (مايكل كورليوني) (آل باتشينو) من شخص بسيط إلى زعيم مافيا عديم الرحمة، بينما تؤرّخ القصة أيضًا لعائلة كورليوني تحت زعامة (فيتو كورليوني) (مارلون براندو).

[9]  – السقوط الحر ، ص 28.

[10]  – السقوط الحر ، ص 30.

[11]  – مفارقة القوة الأمريكية – لماذا لا تستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تمضي وحدها؟ ط أولى، العبيكان1424هـ – 2003م، جوزيف  س  ناي (الابن)، ت: د. محمد توفيق البجيرمي، ص 31.

[12] – السقوط الحر ، ص 55.

[13] – المصدر السابق، ص 34.

[14] – المصدر السابق، ص70.

[15] – نفسه، ص 30.

[16] – نفسه ، ص 71.

[17] – نفسه، ص 71.

[18] – نفسه، ص 99.

[19] – نفسه، ص 111.

[20] – نفسه، ص 112.

[21] – نفسه، ص 112.

[22] – نفسه، ص 115.

[23] – نفسه، ص 112.

[24] – نفسه، ص 113.

[25] – نفسه، ص 114.

[26] – نفسه، ص 115.

[27] – نفسه، ص 196.

[28] – نفسه، ص 154.

[29] – نفسه، ص 172.

[30] – نفسه، ص 199.

[31] – نفسه، ص 233.

[32] – نفسه، ص 238.

[33] – نفسه، ص 225.

[34] – نفسه، ص 228.

[35] – نفسه، ص 209.

[36] – نفسه، ص 228.

[37] – نفسه، ص 203.

[38] – نفسه، ص 210.

[39]  – حافة الظلام (Edge of Darkness) ، فيلم إثارة، أنتج في 2010، مقتبس من مسلسل بريطاني يحمل نفس العنوان، من إنتاج تلفزيون بي بي سي. الفيلم من بطولة (ميل غيبسون) و(راي وينستون). يعدّ هذا الفيلم بمثابة عودة لميل غيبسون بعد انقطاع لمدة ثماني سنوات عن أدوار البطولة السينمائية، وبلغت ميزانية إنتاج الفيلم 60 مليون دولار، بينما جمع إيرادات وصلت إلى 81 مليون دولار حول العالم. قصة الفيلم: توماس كرافين (ميل غيبسون) محقق مخضرم في شرطة بوسطن، متخصص في جرائم القتل، يعيش مع ابنته الوحيدة إيما. ذات يوم تقتل ابنته بطلق ناري على بعد خطوات من منزلهما. في البداية يعتقد توماس أنها قد قتلت بطريق الخطأ، وأنه كان المستهدف الحقيقي من الجريمة، ولكن عندما يبدأ في التحقيق في الجريمة، وتتبع خيوطها، يكتشف حقائق لم يكن يعلمها عن ابنته، وأنها تعمل في مهام غامضة لحساب جهاز أمني، وهو نفس الجهاز الذي قام بقتلها، ليضمن اختفاء الأسرار التي تعرفها.

[40]  – تدور أحداث (بومبشيل) في أروقة قنوات (فوكس) التلفزيونية، التي تعد واحدة من أهم الجهات الإعلامية في العالم بأجمعه، حيث تتبع سياسات الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بصورة واضحة، وتؤثر على ملايين من مواطنيها كل يوم. ويقدم الفيلم قصة أشهر فضيحة تحرش جنسي في وقتها، والتي كانت سابقة جديدة على صناعة الترفيه الأميركية، إذ لم يكن وسم (أنا أيضاً) قد دشّن بعد عام 2016، ولا سقط (هارفي وينستين)، ومن بعده، لذلك اهتزت هوليود بالفعل للسقوط المدوي لرئيس فوكس في ذلك الوقت (روجر آيلز). اثنتان من بطلات الفيلم تمثلان شخصيتين حقيقيتين، ساهمتا بالفعل في فضح استغلال النفوذ والرشاوى الجنسية التي طالب بها (آيلز) لسنوات خلال عمله في (فوكس نيوز)، وكشف الثقافة المعادية للمرأة، والمستغلة لها، السائدة في القنوات أيضاً.

[41]  – تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من لاعبي كمال الأجسام، من بينهم (دانيال لوجو) (مارك والبيرغ)، و(مارك هيرد) (دواين جونسون)، و(جون بريزلين) (كوينتون جاكسون)، الذين يخططون لعملية اختطاف وابتزاز لوافد جديد إلى (فلوريدا)، يدعى (دانيال لومبروسو) (إد هاريس). يعتقد الثلاثي أن (لومبروسو) هو مليونير، لكنه في الواقع مجرد رجل أعمال فقير. يتمكن الثلاثي من اختطاف (لومبروسو)، ويطلبون منه فدية قدرها 5 ملايين دولار. يوافق لومبروسو على دفع الفدية، لكنه يتمكن من الهرب منهم. فيطاردونه، وېقتلون أحد أصدقائهم بالخطأ. وفي النهاية يقعون في قبضة العدالة، ويحكم عليهم بالسجن مدى الحياة. يوضح الفيلم أن السرقة ليست الطريق إلى الثراء، وأن هناك عواقب لكل فعل.

[42] – السقوط الحر، ص 233.

[43] – مفارقة القوة، ص 9.

[44] – جرأة الأمل، ص 31.

[45] – المصدر السابق، ص 282.

[46] – المصدر السابق، ص 286.

[47] – ويكيبيديا ، وانظر: https://home.treasury.gov/utility/languages/alrbyt-arabic/about

[48] – السقوط الحر، ص 244.

[49] – المصدر السابق، ص 258.

[50] – المصدر السابق، ص 264.

[51] – المصدر السابق، ص 265.

[52] – المصدر السابق، ص 271.

[53] – المصدر السابق، ص 269 – 270.

[54] – المصدر السابق، ص 279.

[55] – صناعة المستقبل؛ الاحتلال التدخلات الامبراطورية والمقاومة، نعوم تشومسكي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط الأولى، 2013، ص 45.

[56]  – المصدر السابق، ص 30.

[57] – السقوط الحر، ص 14.

العدد 188 ǀ صيف 2024 ǀ السنة الحادية والعشرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى