هل صحيح؟!
أ.د. يحيى عمر ريشاوي
هل صحيح ما يتردد في كثير من الأوساط الاجتماعية؛ هنا وهناك، من أن أسلافنا الذين سبقونا كانوا أكثر راحة في العيش، وأكثر طمأنينة في الحال والبال؟ وهل ما نسمعه من مقارنات بين حياة آبائنا وأجدادنا، وبين العصـر الذي نعيش، تصيب كبد الحقيقة، وتعبّر عن الواقع؟ ألا يمكننا أن نشك – ولو للحظة – في المقولات السائدة حول الحياة الهانئة، والنفوس البريئة، لمن سبقونا قبل قرن من الزمان؟! مع ملاحَظة أن هذه الظاهرة (المقارنة بين الماضي والحاضر)؛ ليست مرتبطة بمجتمعاتنا فقط، بل هي ظاهرة منتشـرة في معظم المجتمعات البشرية، إن لم نقل في المجتمعات كافة!
ممّا لا شك فيه أن إنسان هذا العصـر يعيش في خضم هيمنة التكنولوجيا والمادة على كل شيء، وأن التعقيدات الحاصلة في بيئتنا الحياتية لا تقارن أصلاً بما مضـى. ولا شك أيضاً في أن البشـرية تعيش قمة التطورات العلمية والتكنولوجية، بصورة لم يسبق لها مثيل؛ إنسان هذا العصـر يعيش وسط أجواء حياتية أكثر صخباً وضجة، وساكنو هذا الكوكب في بحث دائم وجنوني عن حياة أكثر هدوءاً وطمأنينة.
ولكن على الرغم من هذا وذاك، فإنّ إنسان هذا العصـر بات يتمتع بالوسائل التكنولوجية لتسهيل معيشته، بصورة لا تقارن بشخص كان قدره أن يعيش قبل قرن من الزمان؛ إنسان هذا العصـر يحصل على غذائه بصورة أوفر، وعلى وسائل التدفئة بسعر أرخص، ويسافر ويتحرّك ويصل إلى مكان عمله ومسكنه بوسائل أسرع، ويحصل على المعلومات بكمية أكبر، ويعبر عن رأيه بأسلوب أسهل، ويتمتع بالخدمات الصحية في مشافٍ أرقى و… و …، كلّ ذلك أدّى إلى أن تكون حياته أسهل، وعمره أطول، مقارنة بأسلافه وأجداده بالطبع. وإليكم بعض الأرقام والإحصائيات الدالة على هذه الحقيقة:
– كان متوسط العمر المتوقع للفرد قبل قرون، نحو 30 عاماً. أمّا اليوم، فقد تجاوز متوسط العمر المتوقع؛ في مختلف أنحاء العالم، 70 عاماً، وفي الأجزاء المتقدمة من العالم: أكثر من 80 عاماً.
– قبل 250 عاماً، كان ثلث الأطفال، في أغنى دول العالم، يموتون عند سن الخامسة. وقد انخفض هذا الرقم اليوم إلى أقل من 6% من الأطفال، في أفقر بلدان العالم !
– قبل 200 عام، كان 90% من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع، أمّا اليوم، فأقل من 10% فقط.
– هناك انخفاض في عدد الحروب العالمية، حيث انخفض المعدل السنوي للحروب من حوالي 22 لكل مائة ألف سنوياً، في أوائل الخمسينيات، إلى 1.2 اليوم.
هذه الإحصاءات، وغيرها، دليل على أن معظم ما يقال عن العيش الرغيد، والحياة الهنيئة لأسلافنا، هو من نسج الخيال، مع التأكيد على أنّنا لا ندّعي أنّ البشـرية الآن تعيش حياة مثالية، خالية من الفقر والمرض والحروب بالطبع.