الحرب الهجينة بين طبول الحرب العالمية الثانية ودبيب الثالثة

شوان زنكنة – باحث وخبير سياسي

تمهيد

  كنتُ قد كتبتُ مقالاً أواخر عام 2018م، حول الحرب الهجينة القادمة، التي بدأت منذ الحرب الباردة الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ألقيتُ الضوء فيه على الأوضاع العامة ما قبل الحربين العالميّتين السابقتين، وملابساتها، وقارنتها بأوضاعنا اليوم، ووجدت مواطن شبه كثيرة بينهما؛ فقد كانت الأوضاع الاقتصادية متأزمة، والصراعات السياسية متفاقمة، والنعرة القومية في أوجها، والخلافات على حدود بعض الدول متصاعدة، الأمر الذي أدى إلى شن حربين عالميتين، مؤلمتين، كلفت العالم خسائر كبيرة جداً.

    وذكرتُ في مقالي، كذلك، أننا اليوم (عام 2018م)، وفي المدى المنظور، أمام أوضاع لا تقل خطورة عن تلك التي سبقت تلك الحربين السابقتين، إن لم تكن أشد منها وطأة وتعقيداً، واستشرفتُ واقع الحال الذي سيعيشه العالم، في المدى المنظور، فكتبتُ عما هو حاصل، وعما سيحصل في المدى المنظور، باختصار شديد، وكما يلي:

1- أوضاعٌ اقتصاديةٌ متأزمةٌ، ونُذُرُ كسادٍ اقتصادي عالمي، مقرون بتحذيرات متعاقبة لمسؤولي المنظمات والمؤسسات الاقتصادية العالمية.

2- تنامي النعرة القومية اليمينية في العالم، وتقدم الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة في انتخابات أوروبا، وأمريكا اللاتينية بالأخص.

3- التنَصُّلُ من الاتفاقات النووية والأمنية والعسكرية، وتهيئة الأجواء لسباق التسلُّح بين الدول.

4- رغبةُ بعض الدول في توسيع نفوذها في مناطق الصراعات، والمنافسة الحادة والساخنة فيها.

5- أزمات الحكم والإدارة الداخلية في معظم دول العالم.

6- تقاطع مصالح الدول في مناطق النزاع، وانعدام الحلول الوسط.

7- إنشاء تحالفات سياسية وعسكرية بهدف الحماية، وضمان الأمن، تحمل معاني التهديد والتحذير.

8- اصطناعُ وتسهيل إنشاء منظمات إرهابية، والتدّخلُ في شؤون الدول، وخدشُ سيادتها بحجة محاربة هذه المنظمات المُصطنَعَة.

    هذا التشابه الشديد بين الحاضر والماضي يوحي بإعادة التاريخ نفسَه، للدخول في دوامة حرب قادمة، وفي المدى المنظور، ولكن بشكل أقسى وأمَرَّ. وتأتي الأحداث المتلاحقة، التي كنتُ قد استشرفتُها، لتؤكّد هذا الإيحاء، وتؤشر على وجود حالة استعداد نفسية وعملية لدى أصحاب القرار للخوض في حرب طاحنة، بعد أن ضاقت بهم سبل السلام، على ما يبدو.

أولاً: تسلسل الأحداث:

    بعد الحرب العالمية الثانية، دخلت أطراف الصراع حالة الحرب الباردة، تجلت على شكل حرب هجينة، استُخدِمت فيها كافة أدوات الحروب غير العسكرية، إذ مارست هذه الأطراف، فيما بينها، كافة أشكال الحروب الاقتصادية، والاستخباراتية، والسياسية، والسيبرانية، والإعلامية، وغيرها.

    ومع أحداث 11 سبتمبر، تغيرت قواعد الاشتباك، بموازاة تغيير العقائد العسكرية، وبدأ العالم يحسّ بدبيب الحرب العسكرية، في ظل حرب هجينة عميقة، وبدأت الآلة العسكرية، الأداة الأخيرة من أدوات الحرب الهجينة، تمارس مهامها بدءًا من الشرق الأوسط، وانتهاءً بحرب غزة، مروراً بحرب أوكرانيا، وأزمة تايوان، وبوتيرة متسارعة، ومتصاعدة، ومُطَّرِدة.

    وبموازاة تصاعد وتيرة الصراع في الآونة الأخيرة، وبالأخص بعد أحداث غزة، تقوم الأطراف الفاعلة باتخاذ الترتيبات الأمنية والعسكرية، ومحاكاة سيناريوهات حرب متوقَّعة في المدى المنظور، إذ يمكن ملاحظة ذلك من خلال التدابير العسكرية والنفسية للدول المعنية، وتصريحات مسؤوليها، وتوارد التقارير الأمنية والاستراتيجية.. نوجز بعضها فيما يلي:

1- أورد تقرير لصحيفة (غازيتا) الروسية أن صحيفة (بيلد) الألمانية نشرت أن حلف شمال الأطلسي (النيتو) يستعد لمواجهة هجوم روسي واسع النطاق على الجانب الشرقي للحلف، وأن وثيقة سرية لوزارة الدفاع الألمانية تشرح تفاصيل هذا الصراع المحتمل. وقال التقرير – الذي كتبه الخبير العسكري الروسي المتقاعد العميد (ميخائيل خودارينوك) – إن الوثيقة الألمانية تصف تصرفات روسيا والغرب شهراً بعد شهر، والتي بلغت ذروتها بنشر مئات الآلاف من جنود التحالف على الجانب الشرقي، مما ينذر باندلاع حتمي للحرب صيف عام 2025م(1).

2- كتب الصحفي أيوب الريمي في (الجزيرة نت)، بتاريخ 21/6/2022، مقالاً عن تصريحات رئيس أركان الجيش البريطاني، بمناسبة تسنمه منصبه الجديد، ذكر فيه: لم يُفوّت قائد الجيش البريطاني الجنرال (باتريك ساندرز) فرصة ظهوره الأول أمام جنوده لِيدقَّ ناقوس الخطر بشأن إمكانية مواجهة روسيا بمشاركة الحلفاء الأوروبيين.

    وأثار القائد العسكري البريطاني، الذي استلم منصبه حديثاً، الكثير من الجدل عندما دعا كل قوات بلاده إلى أن تكون على أهبة الاستعداد للفوز بأي معركة قد تخوضها على الأرض. وزاد من حرارة حديث القائد العسكري البريطاني إشارته إلى أن أي مواجهة مباشرة مع روسيا ستعني اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

    وإذا كان العداء العسكري بين لندن وموسكو قد بات مستحكَماً، فإن نبرة أرفع مسؤول عسكري في المملكة المتحدة تظهر أن الوضع الحالي وصل لنقطة غير مسبوقة في مسار التصعيد العسكري بين الغرب وموسكو”(2).

3- نقلت صحيفة (سكاي نيوز عربية) عن الجنرال (باتريك ساندرز)؛ رئيس أركان الجيش البريطاني، دعوته إلى تعبئة شعبية، وتدريب وتجهيز جيش من المواطنين، وذلك لمواجهة مخاطر النزاعات، مستشهداً بالإجراءات المتخذة من بعض الدول الأوروبية لتعزيز قدراتها أمام التهديد الروسي(3).

4- نقلت صحيفة (الوطن نيوز)، في تقرير لها بتاريخ 13/11/2021، تحذيرًا عن رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال (نيكولاس كارتر)، عن خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب المصالح المتباينة بين دول الغرب وروسيا(4).

5- أوردت صحيفة (الشرق برس) تقريراً حذر فيه قائد القوات المسلحة النرويجية دول الناتو من أن أمامها سنتين، أو ربما ثلاث سنوات فقط، للاستعداد لهجوم روسي، بعد أيام فقط من الكشف عن أن ألمانيا تستعد للاحتمال ذاته، أيضًا(5).

6- كتبت (العربية نت) مقالاً بتاريخ 13/1/2024، بعنوان (قد تحدث حرب)، ذكرت فيه ما يلي: “تثير دعوات الاستعداد للحرب، التي أطلقها الجيش والحكومة في السويد، جدلاً حاداً وموجات من التسوق الاحتياطي وتصاعدًا للقلق بين الأطفال، علماً بأن السويد لم يشارك في أي نزاع مسلح منذ حروب نابليون، ومعظم السويديين لا يعرفون أي شيء عن وقائع الحروب… ووقَّعت السويد اتفاقًا في بداية ديسمبر يسمح للولايات المتحدة باستخدام 17 قاعدة عسكرية على أراضيها”(6).

7- أعدّت الباحثة منار عبد الغني، من المركز العربي للبحوث والدراسات، ملفاً عن سباق التسلح العالمي الجديد، ذكرت فيه ما يلي: “ظاهرة سباق التسلح هي ظاهرة عسكرية وسياسية وصناعية وتجارية، ازدادت حدتها بعد نهاية الحرب الباردة، وظهور التقنيات الحديثة في هذا المجال.

    أدى اشتداد الصراعات، وانتشارها بين الدول، إلى زيادة النفقات العسكرية في معظم دول العالم في السنوات الأخيرة، كما أدى عدد من الأحداث إلى تسريع وتيرة سباق التسلح، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتوترات المستمرة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، والتهديد الأمني ​​الذي تشكله التجارب النووية لكوريا الشمالية، وبالتالي سعت الدول الكبرى لزيادة كبيرة في ميزانية الدفاع، والعمل على تعزيز قوتها العسكرية، مما أدى إلى زيادة الإنفاق العسكري العالمي، وبالتالي أصبح العالم على مشارف حرب عالمية ثالثة”(7).

8- ذكرت قناة (سكاي نيوز العربية) عن مجموعة من الباحثين أن روسيا تدخل سباق التسلح العالمي من بابه الكبير، كاشفة عن زيادة كبيرة في موازنة الدفاع الروسية بنحو 70% في عام 2024م، وبمبلغ قدره 111 مليار دولار أمريكي(8).

9- كتب يقضان التقي في صحيفة (العربي الجديد)، بتاريخ 23/3/2023، مقالاً بعنوان (سباق التسلح ونهاية النظام الليبرالي الدولي)، ذكر فيه ما يلي: “يُظهر رصد الوقائع والتحوّلات والصراعات العسكرية والأمنية والاستراتيجية، تطور عمليات الإنفاق على التسلح، ومعها تطور المخاطر التي تواجه العالم، فضلاً عن مخاطر التغييرات البيئية، وما تُحدثه من تزايد في الكوارث الطبيعية”(9).

10- استعرض الفيلسوف الفرنسي (ريمون آرون) فرضية منطقية بخصوص طبيعة الصراع بين القوى العالمية الفاعلة، واصفاً مواقف معسكري الشرق والغرب، ومآلاتها المنطقية، خاتماً فرضيته بأسئلة وجيهة، إذ ذكر ما يلي: “أنْ يكون أحد المعسكرين (المتصارعين) مصمّمًا على تحقيق أهدافه، وأنْ يكون المعسكر الآخر مصمّمًا مثله على منعه من تحقيق هذه الأهداف! فماذا لو كانت الصين وروسيا مصمِّمتَيْن على تحقيق أهدافهما على التوالي في أوكرانيا وتايوان، وكانت الولايات المتحدة مصمِّمة على منعهما من ذلك؟ في هذه الحالة، ألن يسرّع سباق التسلح خيار الحرب العالمية الثالثة؟ أم أن القدرات النووية لدى كل الأطراف ستردع الجميع عن المضي في مجازفاتٍ خاسرةٍ للجميع؟ وأن العقلانية ستقود الجميع إلى التواصل وفهم نيات بعضهم بعضاً، وترتيب تسويات مربحة للكل، تحفظ حدًّا أدنى من التوازن والاستقرار العالمي حتى إشعار آخر؟”(10). هذا هو مقتطف من مقال بعنوان (سباق التسلح.. هل الحرب العالمية الثالثة مُرجَّحَة؟)، كتبه نبيل الخوري في (العربي الجديد)، بتاريخ 14/6/2023.

11- سويسرا، الدولة التي حافظت على حيادها، منذ 1648م، ولم تخض حرباً في أحلك الظروف، وانزوت بعيداً عن الحربين العالميتين السابقتين، والحرب الباردة، اضطرت إلى كسر حيادها في ظل الظروف الراهنة، وبالأخص بعد الحرب الروسية-الأوكرانية. فقد وافق الناخبون السويسريون على خطة حكومية لإنفاق 6.5 مليار دولار على شراء طائرات مقاتلة في أكتوبر 2020م(11).

    وقالت صحيفة (ميل أونلاين) البريطانية إن التحول المؤيد لأوكرانيا في المزاج العام والسياسي الأوروبي أدى إلى الضغط على الحكومة السويسرية، لإنهاء الحظر المفروض على تصدير الأسلحة السويسرية إلى مناطق الحرب(12).

كما ووافقت الحكومة السويسرية، بتاريخ 22/11/2023 على إعادة تصدير 25 دبابة من طراز (ليوبارد 2) إلى ألمانيا، التي تعهدت بعدم نقلها إلى أوكرانيا، احتراماً للحياد السويسري في العالم(13).

12- أورد تطبيق (نبض) الإخباري، تصريحات وزير خارجية روسيا (سيرجي لافروف)، نقلاً عن (الجزيرة عاجل)، بتاريخ 13/2/2024، حول طبيعة الصراع في الشرق الأوسط، إذ قال:

” – الأمريكيون يراهنون في مسارات الحوار بالشرق الأوسط على هيمنتهم، ليفرضوا حلولاً تصب في صالحهم.
– الغرب يسعى إلى استبعاد روسيا من جميع آليات التسوية في الشرق الأوسط.

– يجب أن نبحث في ظل هذه الظروف عن حل لا يسمح بحدوث كارثة في الشرق الأوسط(14).

13- أصدر (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية) (IISS) البريطاني، تقريره السنوي عن الصراعات الدولية لعام 2023م، في الأسبوع الأول من كانون الأول 2023م، بعنوان (المسح السنوي للصراعات الدولية 2023م)، وتناقلته وسائل الإعلام العالمية، بسرعة فائقة، واهتمام بالغ، إذ أشار التقرير – حسب ما نقلته منصة (الخليج أون لاين) – إلى أن العالم تهيمن عليه الصراعات المستعصية على نحو متزايد، والعنف المسلح على خلفية أعداد متزايدة من الجهات الفاعلة، والدوافع المعقدة والمتداخلة، والتأثيرات العالمية، وتسارع تغير المناخ… وتعتمد هذه الصراعات على عدة عوامل، منها التنافس الشديد على الموارد، والنفوذ السياسي والاقتصادي، فضلاً عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها تلك الدول.

    كما أن التقرير ذكر بعض الإحصاءات الهامة، والمتعلقة بحجم وخطورة واستعصاء الصراعات على الحلّ، فأحصى وقوع 183 صراعاً مسلحاً في العالم، ووجود 459 جماعة مسلحة، يقبع نحو 195 مليون شخص تحت سطوتها، في عام 2023م، وأن نسبة تصاعد العنف قد ارتفعت إلى 28%، قياساً بالعام المنصرم. وأشار التقرير، كذلك، إلى اتساع نطاق الحروب والصراعات في عام 2023م، ليشمل دولًا مثل أوكرانيا وسوريا والبرازيل وميانمار والعراق والصومال ونيجيريا وأفغانستان والسودان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومالي وقبرص ولبنان، يضاف إلى ذلك، الصراعات والحروب في الأمريكيتين، الشمالية والجنوبية، التي تعاني من عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية، كما يحدث في المكسيك وكولومبيا وغيرهما(15).

14- حذر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، المتخصص في قضايا الدفاع، بتاريخ 12/2/2024، عبر تقريره السنوي (التوازن العسكري)، من أنّ الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، والغزو الروسي لأوكرانيا، والتوتر في محيط الصين، كلها تنذر بعقد “أكثر خطورة”، مع توقع ازدياد النفقات العسكرية في العالم. ونقلت (الرأي)، في صفحتها الإلكترونية، هذا التحذير بتفاصيله، بتاريخ 13/2/2024م(16).

ثانياً: تحليل الأحداث:

    هذا الموجز من الأحداث غيضٌ من فيضِ أحداثٍ سبقت، وأحداثٍ سيعيشها العالم قريباً، لم تأتِ جزافاً، وإنما تمخَّضت عن ويلاتِ حربين عالميتين مضت، تركت خلفها قضايا عالقة غير مكتملة، تنتظر الاكتمال، والتي يمكن حصرها بما يلي:

1 – دولة إسرائيل: التي بدأت بوعد بلفور عام 1917م، ثم تقسيم فلسطين، وبعده قبول إسرائيل عضواً كاملاً في الأمم المتحدة عام 1949م. وستكتمل هذه الحلقة، في المرحلة القادمة، بتأسيس دولة يهودية قومية، وعاصمتها القدس، بحدود آمنة ومُحدّدة، أو بتأسيس دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، آمنتين، متعايشتين، أو بزوال إسرائيل. وسيخرج الشرق الأوسط، بذلك، عن كونه بؤرةً للصراع.

 2 – النظام الإيراني: كان، وما زال، يمارس الضغوط التوسعية على الدول العربية، والخليجية منها بالأخص، مما دفعها للارتماء في حضن إسرائيل. ومن المخطط أن يكون هذا النظام قوة إقليمية مُقلَّمَة الأظافر في الشرق الأوسط. 

3 – القضية الكوردية: وردَ أولُ اعترافٍ دولي بحق تقرير المصير للكورد في البندين 62 و63 من الفقرة الثالثة في (معاهدة سيفر)، عام 1920م، بين الحلفاء والدولة العثمانية، ثم تلتها (معاهدة لوزان)، التي ألغت هذا الحق للأكراد، وأصبحت القضية الكوردية منذ ذلك التاريخ قضية شرق أوسطية ساخنة، وملفاً هاماً من ملفات الصراع بين الدول الفاعلة في المنطقة.

4 – تَبنِّي نظرية الإسلام المعتدل لقيادة الشرق الأوسط، وتمثيل العالم الإسلامي: هي تلك النظرية التي تسعى إلى إناطة قيادة المنطقة – مناطق ما حول إسرائيل – إلى (تركيا)، كقوة سنية إقليمية معتدلة، جنباً إلى جنب مع القوة الشيعية الإقليمية الإيرانية، بعد انسحاب أمريكا، وانكماش دور روسيا. وهي، كذلك، نظرية تسعى إلى الحيلولة دون وصول التيار العربي السني الإسلامي اللاسامي إلى السلطة في أي جزء من أجزاء الشرق الأوسط، وهذه مشكلة حقيقية عالقة في المنطقة منذ سقوط الدولة العثمانية، ولحد الآن، وهي محور الصراع العالق في الشرق الأوسط.  

5 – أمن الطاقة والتحرر من تبعية أوروبا للغاز الروسي: أظهرت الحرب الأوكرانية، وبوضوح، الجانب الرخو في أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي، إذ تعتمد مجموعة كبيرة من الدول الأوروبية، وبشكل كبير، على الطاقة الروسية، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن مصادر بديلة، لضمان أمنها، إلا أن ذلك يُعَدُّ أمراً صعباً جداً، لذلك أصبحت الطاقة المستوردة من روسيا، بجانب معاناة العالم من مشكلة الطاقة، بشكل عام، من القضايا العالقة، بعد الحربين السابقتين، والتي يدور حولها الصراع العالمي بين الأطراف الفاعلة.

6 – صياغة اتفاق جديد للتسلح النووي بعد إلغاء الاتفاقات السابقة: ويبدو أن الجهود المبذولة لهذه الصياغة قد باءت بالفشل، وأن القضية النووية هي إحدى القضايا العالقة التي تنتظر المعالجة.

7  – توسع الناتو في أوروبا الشرقية، رغم التعهد بتجنّبه: إذ دفع ذلك روسيا إلى شن حرب على أوكرانيا، وهو ما تسبب بتأزّم الوضع في تايوان، ثم جاءت أزمة غزة، لتتأهبَ أطرافُ الصراع العالمي في بؤر الصراع الثلاث: بحر الصين، والبحر البلطيقي، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وتدقَّ طبولَ الحرب، وتُشيعَ الترتيبات النفسية لدى شعوبها، وتصعّدَ وتيرة التسليح، وتتسابقَ فيه. 

    فلو أضفنا إلى هذه القضايا العالقة، التي تمَّ ترحيلُها إلى عالمنا الحاضر، من القرن الماضي، وبدايات هذا القرن، أزماتِ الدول في أنظمة حكمها، وتقاطعَ مصالحها، وتشابكَها، وتفاقمَ الصراع بين التيار القومي، الوطني، المحافظ، والمتنامي، وتيار العولمة اليساري، المتراجع، وهشاشةَ الاقتصاد العالمي، وتشابكَ أزماته، وتسارعَ وتيرة سباق التسلح، والإنفاقِ العسكري، وتهيئةَ الأجواء النفسية لحالة حرب مُحتمَلة، لوجدنا العالم، اليوم، على مفرق طريق، لا طاقة له فيه لترحيلٍ إضافيٍّ للأزمات: طريق تفاهم يفضي إلى سلام، أو طريق حرب يفضي إلى سلام.

الخاتمة:

    يتبيّن من كلّ ما سبق، أن التاريخ يعيد نفسَه، وأن عالم اليوم يعيش أحداثاً لا تختلف كثيراً عن التي عاشها عالم الأمس، في القرن الماضي، فالأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية تكررت في هذا القرن، وبشكلٍ أكثر قساوةً. وتفاقمت المشاكل حدّ الاستعصاء على الحلِّ، وتشابكت المصالح بشكل تستحيل معها التسوية، وتغيرت طبيعة الصراع الدولي من صراعٍ لكسر الإرادات، إلى صراع على البقاء، على حساب الآخر.

    وفي ظل هذه الأوضاع، رفع العديد من دول العالم حجمَ مشترياته من السلاح، وعلى رأسها تأتي الدول الاسكندنافية، والدول المحايدة، وهو أمر ملفت للنظر. وبدأت التصريحات الرسمية تحذّر من حرب عالمية في المدى المنظور (خلال ثلاث سنوات قادمة)، وتهيّؤ الشعوبَ، نفسياً، لحرب قادمة، وسواء كانت هذه التصريحات للاستهلاك المحلي، أم منبثِقة عن معلومات استخبارية حقيقية، تشير إلى خطط الأطراف المتصارعة الحربية، فالنتيجة واحدة، وهي سوق الشعوب، نفسياً، إلى حرب قريبة، تستنزف الموارد المالية والطبيعية، وتُحيِّد الطاقات البشرية، وحالما تهيأتِ الشعوب، نفسياً، للحرب، فإن الحرب ستقع، لا محالة، ما لم تذعن الأطراف المتصارعة للعقل والمنطق، وتركن إلى التفاهم، وتبحث عن التسويات، وترجّح السلم.

    أوصي، باتخاذ التدابير اللازمة، على المستويين العام والخاص: فعلى الصعيد الحكومي، لا بد من ترشيد الإنفاق، واتخاذ موقف الحياد، وتسييل احتياطيات البنك المركزي من السندات والأوراق المالية، وتحويلها إلى سبائك ذهبية، وعلى الصعيد الشعبي، لا بد من تخزين الفائض من النقد على شكل سبائك ذهبية، خفيفة الوزن، وتخزين الطعام والحاجيات حال تفاقم التطورات العسكرية، والتوجه نحو زراعة الأرض خلال هذه الفترة، والابتعاد عن مناطق الاستهداف.

المراجع:

، 17/1/2024www.aljazeera.net-1 موقع الجزيرة نت، (تقرير صحيفة غازيتا الروسية).

2- الريمي، أيوب، “تصريح قائد الجيش البريطاني”، www.aljazeera.net، 21/6/2022

3- موقع سكاي نيوز عربية، “رئيس الأركان البريطاني يدعو إلى تدريب جيش من المواطنين”، www.skynewsarabia.com، 24/1/2024

4- موقع الوطن نيوز، “الجيش البريطاني يحذر من حرب عالمية ثالثة”، www.elections.alwatannews.net، 13/11/2021

5- موقع الشرق برس، “قائد الجيش النرويجي يحذر أوروبا”، www.sharqpress.com، 23/1/2024

6- موقع العربية نت، “قد تحدث حرب”، www.alarabiya.net، 13/1/2024

7- عبد الغني، منار، “سباق التسلح العالمي الجديد”، www.acrseg.org، 24/10/2023

8- مجموعة باحثين، “العالم نحو العسكرة، روسيا تدخل سباق التسلح”، www.skynewsarabia.com، 29/9/2023

9- التقي، يقضان، “سباق التسلح ونهاية النظام الليبرالي الدولي”، www.alaraby.co.uk، 23/ 3/2023

10- الخوري، نبيل، “سباق التسلح، هل الحرب العالمية الثالثة مرجحة”، www.alaraby.co.uk، 14/6/2023

11- نازي، جمال، ” لم تخض حرباً منذ قرنين”،  www.alarabiya.net، 2/10/2020

12- موقع اليوم السابع، “صحيفة بريطانية: سويسرا قد تتخلى عن قرون من الحياد بسبب حرب أوكرانيا”، www.youm7.com، 8/2/2023

13- وكالة الأنباء القطرية، “سويسرا توافق على تصدير 25 دبابة ليوبارد إلى ألمانيا”، www.qna.org.qa، 22/11/2023

14- تطبيق “نبض”، تصريحات لافروف”، www.nabdapp.om، 13/2/2024

15- العاني، طه، “تداعيات تصاعد الصراعات العالمية خلال 2023″، www.alkhaleejonline.net، 19/12/2023

16- موقع الرأي، “العالم يواجه عقداً أكثر خطورة”، www.alraimedia.com، 13/2/202

العدد ١٨٧ ǀ ربيع ٢٠٢٤ ǀ السنة الحادية والعشرون

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى